ضوء النهار في غرفة المريض

TT

من الجميل دوام اهتمام الباحثين بما هو أفضل للعناية بالمرضى وتسهيل إقامتهم بالمستشفى لتلقي العلاج. وسابقا، ضمن هذه السلسة من المقالات حول كيفية عناية المستشفيات بمرضاها، جرى عرض مجموعات من تلك الدراسات والبحوث، مثل التي تتعلق بمدى صحة توجه المهندسين إلى الحرص على إبقاء نوافذ غرف المرضى مغلقة بحجة الحرص على نقاء هوائها وسلامة المرضى من عدوى الميكروبات، ومثل مدى جدوى إيقاظ المرضى من نومهم بالليل لأخذ قياسات الحرارة والضغط وغيرها. وما تحاول تلك الدراسات الطبية عمله هو مراجعة ما يُعتبر من المسلّمات في الطريقة الأمثل والأفضل لمعالجة المرضى والعناية بهم في المستشفيات، للوصول إلى معرفة ما هو منها ثابت الفائدة وما هو غير ذلك.

إن تهيئة غرفة المريض لتلقي كمية كافية من ضوء النهار أحد الجوانب التي يحاول الباحثون معرفة تأثيراتها السلبية على راحة المرضى. وضمن عدد 27 أكتوبر (تشرين الأول) من مجلة «التمريض المتقدّم» (Journal of Advanced Nursing)، عرض الباحثون من مؤسسة التمريض بكليفلاند كلينك (Cleveland Clinic›s Nursing Institute) نتائج دراستهم حول العلاقة بين كمية الضوء النهاري الذي يتعرض له المريض بغرفة تنويمه بالمستشفى ومدى انضباط نومه وراحته في ذلك، وشعوره بالألم. وشملت الدراسة الطبية عددا غير كبير من المرضى، ولكنها لاحظت أن عموم المرضى يتعرضون بالمتوسط إلى قدر ضئيل من ضوء النهار، الأمر الذي يرتبط بعدم قدرة أجسامهم على التكيف مع تقلبات دورة الاستيقاظ والنوم بشكل طبيعي.

ولاحظ الباحثون أيضا أن تعرض المريض في غرفة تنويمه بالمستشفى لمستويات منخفضة من ضوء النهار له علاقة وطيدة بتدني مستوى المزاج العام للمريض، وزيادة الشعور بالإنهاك والتعب وارتفاع الشعور بالألم، وذلك مقارنة بالمريض الذي يتمتع بغرفة تنويم يدخلها قدر طبيعي ومعتدل من ضوء النهار.

وعلقت استر بيرهوفر، الباحثة الرئيسة بالدراسة من كليفلاند كلينك، بالقول: «حتى اليوم، لم ينظر أحد بشكل علمي للعلاقة بين الضوء في غرفة تنويم المريض ونتائج ذلك، مثل النوم والمزاج والألم لدى المرضى، وهذه الدراسة تمثل الأساس في اختبارات مستقبلية لاستخدام ضوء النهار كوسيلة لتحسين وتيرة تعاقب النوم والاستيقاظ لدى المرضى، وتحسين مستوى مزاجهم العام، وتخفيف شعورهم بالألم».

وكانت دراسات سابقة قد أثبتت أن التعرض لضوء النهار هو أمر مهم لدوام ضبط الساعة البيولوجية الداخلية في دماغ الإنسان، وأن التعرض المتدني لضوء النهار أو التعرض الشديد له، وفي الأوقات الخطأ من اليوم، أي فترات الظهيرة وبداية ما بعدها، يُؤثر بشكل سلبي في نوعية النوم الليلي ومستوى المزاج العام للإنسان الطبيعي. ومن المتوقع أن هذه التأثيرات السلبية تزداد سوءا على الأشخاص المرضى الذين هم بالأصل لديهم دواعٍ عدة لاضطراب نومهم وتدني مستوى مزاجهم الذهني والنفسي. ولذا قام الباحثون بإجراء دراستهم الحديثة فيما بين عامي 2011 و2011 بأحد المستشفيات الأكاديمية الكبيرة بالولايات المتحدة. وطُلب من المرضى المشمولين في الدراسة ارتداء سوار معصم لمدة 72 ساعة لتتبع وتيرة الاستيقاظ والنوم، وأكملوا الإجابات عن أسئلة لاستبيان تقييم مستوى مزاجهم العام ومستوى شعورهم بالألم.

ولاحظ الباحثون أن المرضى بالعموم يتعرضون لكميات متدنية من الضوء، أيا كان مصدره، حتى بالليل. وكعموم ما يُعاني منه المرضى، لاحظ الباحثون أن وتيرة النوم كانت سيئة لدى المرضى، وتتعرض استمرارية نومهم للتقطع بفعل عوامل عدة، منها ما له علاقة بطبيعة مرضهم، ومنها ما له علاقة بإجراءات العناية التمريضية بهم. وبالمعدل، ينام المريض نحو أربع ساعات في الليل.

وتبين للباحثين أن المرضى المشمولين في الدراسة تعرضوا فقط لنحو 105 لكس. والـ«لكس» وحدة شدة الضوء وتكافئ ملي واط/ متر مربع. وللتقريب في التصور، فإن شدة إضاءة المكتب الطبيعية بالعموم هي 500 لكس، والتعرض للضوء في اليوم المشمس هو نحو 100 ألف لكس. وكانت دراسات طبية سابقة قد لاحظت أن الإنسان الطبيعي بحاجة إلى التعرض لنحو 1500 لكس لمدة 15 دقيقة على أقل تقدير في اليوم لتكوين وتيرة نوم طبيعية، والأفضل صحيا هو التعرض لنحو 4000 لكس لمدة ثماني ساعات للحصول على نوم صحي مريح بالليل.

وأفاد الباحثون أن هذه الملاحظات تبين أن ثمة مجالا لتحسين نوم المرضى وتخفيف شعورهم بالألم وتحسين مزاجهم عبر الاهتمام بشأن ضوء النهار الذي يدخل إلى غرف تنويمهم بالمستشفيات، وأن هذا الأمر بحاجة إلى مزيد من الدراسات للاستفادة في تلك الجوانب المتعلقة براحة المرضى وتسهيل سرعة شفائهم.

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]