الثأر العربي يدهش العالم

TT

بحسب الدراسات التي يفرج عنها، يتبين أن العرب في الوقت الراهن، هم من أكثر شعوب البسيطة بدائية وعنفا. وإن كان المشهد الدموي العربي بحد ذاته كفيلا بإملاء النتائج والخلاصات المخيفة، فإن ما ينشر، يعزز التصورات الأولية ويؤكدها.

وتبعا لـ«مركز دراسات الحروب الأهلية» في أوسلو، فإن خُمس الكرة الأرضية كان في نزاعات أهلية أثناء الحرب الباردة، لكن مع منتصف تسعينات القرن الماضي، أخذت هذه الحروب تنحسر، بسبب انتهاء الصراع بين أميركا وروسيا وتوقف التمويلات. وانتهت معظم هذه الصراعات بلا غالب أو مغلوب، مما عزز السلام وسد الأبواب أمام أي حركات ثأرية مستقبلية. ونشرت «الإيكونوميست» دراسة مفادها أن أكثر الحروب الأهلية شراسة انتهت حينها، مثل تلك التي شهدتها سري لانكا أو تشاد وكذلك دول أفريقية كثيرة، وأن الحروب الأهلية باتت أقل شراسة من ذي قبل، كما أن مدتها تقلصت، إلا في ربوعنا، حسبما نلحظ.

وتبقى المنطقة العربية بشهيتها الفائقة للدم والمجازر حالة شاذة، في وقتنا الراهن، تستحق أن يشار إليها بالبنان. فالبعض يعتبر أنه بدءا من 2007 عاد مؤشر الصراعات الأهلية في العالم، ليعطي إشارات سلبية بفضل العرب، والعدد الكبير من القتلى الذين سقطوا في أفغانستان وجنوب السودان وسوريا وليبيا بشكل خاص.

العرب يسبحون عكس التيار، وفي الوقت الذي كانت فيه شعوب الأرض تتنفس الصعداء، بانهيار جدار برلين، وتنطلق صوب التنمية ورعاية شعوبها بالعلم والمعرفة، كان صدام حسين يدخل العراق ويشعلها جهنم، قبل أن يجد العرب الوقت ليفرحوا بوقف الحرب الأهلية في لبنان.

وعلى أي حال، منذ عام 1980 يوم بدأ صدام حربه على إيران إلى اليوم، لم تعش شعوب المنطقة سنة واحدة دون قتال في بقعة ما، وضحايا لا ناقة لهم ولا جمل يدفعون أثمانا باهظة. فقبل سنة من توقف مجازر الجزائر عام 2004 كانت أميركا قد غزت العراق. هذا الغزو الذي لم تنته ذيوله إلى اليوم حاصدا أكثر من نصف مليون مدني، بحسب دراسة أميركية أوقفت عدادها عند عام 2011. من ذلك التاريخ، لم يتوقف القتل وبات عدد الضحايا العراقيين، في الشهور الأخيرة، يفوق عدد إخوتهم في الدم من السوريين. أما الليبيون، فيبدو أن أحدا لا يجد الوقت لينقل لنا أخبارهم أو يحصي قتلاهم.

بسبب داحس والغبراء العربية، والنزعة الثأرية الجاهلية الصامدة والمتنامية، فإن أي ثورة عربية سرعان ما تتحول حربا طائفية أو فئوية، وهو ما جعل السلام العالمي، يتراجع بما يقدره الدارسون بـ5%.

تقول «الإيكونوميست» إنه قبل خمس سنوات، كان يحصى ما متوسطه 37 ألف ضحية في السنة للحروب الأهلية في العالم، أما في 2012 وبفضل الاستشراس الأخوي العربي بطبيعة الحال، سجلت الحروب الأهلية 178 ألف ضحية، في عام واحد. الرقم رغم كبره، غير حقيقي على الأرجح، إذ وعلى ذمة المعارض السوري فايز سارة فإن ضحايا سوريا وحدها في السنوات الثلاث للثورة وصل إلى نصف مليون، فيما لا يعترف العالم بأكثر من 115 ألف ضحية.

يشعرنا بالرعب الباحث الفرنسي في العلاقات الدولية برتران باتي، حين يحذر في صحيفة «لو موند» من أن الحروب الأهلية قد تكون سمة للسنوات المقبلة، وأن الإرهاصات التي نراها اليوم، قد تستكمل وتصبح أكثر عنفا وضراوة. وبما أن العرب يحبون تصدر مشاهد القتل والسفك، فيخشى أن يبقوا هم أبطال هذه اللعبة المشؤومة.

فما بين السودان والعراق وسوريا وليبيا واليمن، من دون احتساب الحرب الأهلية اللبنانية التي دامت 16 عاما، ودع العرب أكثر من مليون ضحية، نصفهم بحسب ما يشرح المختصون بالحروب - ليسوا من المحاربين أو الذين طالهم الرصاص أو شظايا القذائف. فالحرب تدمر البنى التحتية والمؤسسات العامة، وتقضي على مقومات الحياة. فمن لم يمت بالرصاص يقضي من سوء الخدمات الصحية أو تلوث المياه، أو فساد الأطعمة. فالحرب تجبر ضحاياها على أكل الكلاب والقطط كما في سوريا، أو تحرمهم من خدمات طبية تنقذ حياتهم، كما في العراق. لذلك يقول برتران: «على الذين يدخلون في حروب أهلية أن يفكروا في تبعاتها من دمار وخراب يرخي بظلاله على الشعوب ويميت كثيرين على مدى سنوات تطول».

البشرية تستذكر هذه الأيام، مئوية انطلاق شرارة الحرب العالمية الأولى التي انتهت بأربع سنوات، ويغيب عن العرب أنهم يعيشون حروبا، داخلية وخارجية، بدأت قبل عام 1948 ولا تزال مستمرة، بأقنعة مختلفة. وهم يسجلون بذلك رقما قياسيا يخولهم دخول «غينيس» في سوء إدارة خلافاتهم البينية وصراعاتهم مع أعدائهم، وإصرارهم المستميت على إبقاء الدم نازفا، دون تحقيق أي نصر يذكر.

ضحايانا على لائحة الحروب التي تتكلم عنها البشرية اليوم، في خضم الذكرى العالمية للحرب الأولى، مجرد أرقام على قوائم حسابية، تنفع في عقد المقارنات وفهم الظواهر، وتدبيج الخلاصات. محق ستالين حين قال: «مقتل شخص واحد هو تراجيديا، أما مقتل مليون شخص فهو مجرد رقم إحصائي».