روسي وأميركي!

TT

حديث الناس يتجدد عن التأثير الروسي والأميركي على سياسات الشرق الأوسط والقائمين عليه مع «ازدياد» مساحات التنافس بين الجانبين على اكتساب المواقع السياسية والاقتصادية والأمنية لأجل تحقيق أهم العوائد الممكنة. وطبعا مع هذا الحديث يزداد التوسع في «المقارنة» بين المدرستين الروسية والأميركية في التعاطي مع التحديات والمشاكل والتعامل مع الحلفاء والأعداء.

ومع التقارب الحاصل الآن بين الروس والنظام المصري الحالي ازداد الحديث عن سابقة العلاقة مع الروس إبان الحقبة السوفياتية القديمة وتقلباتها والمزايا والعيوب في تلك الحقبة، وذلك بالمقاربة مع فترة العلاقة المهمة مع الولايات المتحدة.

ودار في مخيلتي أثر هاتين المدرستين على فكر وتصرفات القادة العسكريين في مصر وذلك بحسب خلفيات تطلعاتهم وتعرضهم للاتحاد السوفياتي وللولايات المتحدة كل على حدة. ولاحظت ذلك بوضوح خلال المقارنة المهمة والممكنة بين أداء محمد حسين طنطاوي خلال فترة يناير (كانون الثاني) 2011 والمرحلة التي تلت تخلي الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك عن الحكم بعد ثورة شعبية ضد نظام حكمه، حيث خرج المجلس العسكري باجتماع من دون رئيسه مبارك في سابقة مهمة، ثم عقد سلسلة من الاجتماعات السرية لإجبار مبارك على التنحي ثم إقناع عمر سليمان بقراءة بيان التنحي وإذاعته على التلفزيون.. وبعدها قام أحد أعضاء المجلس بقراءة بيان عام للشعب شكر فيه الناس وحيا فيه الشهداء بتحية عسكرية، وبعدها مرت البلاد بفترة من القلق وسوء الأداء جعل العنف يتصاعد والتمزق الشعبي والفراق بين الأطراف إلى ازدياد، مما انعكس على معدلات الأمن والاقتصاد بشكل مخيف، وذلك بسبب عدم الحسم في قضايا مهمة.

ولكن عندما ظهر الفريق عبد الفتاح السيسي اعتمدت البلاد على اللغة الحوارية المقنعة وعلى التوثيق والإقناع البصري، فشاهدنا توثيق الحراك الجماهيري بالملايين وكاميرات التلفزة الموجودة داخل طائرات الهليكوبتر المحلقة في سماء مصر.

وكانت الطائرات الحربية تحلق في سماء مصر بشكل تفاعلي عظيم مع الشعب الهادر. كانت الصورة تغني عن كل الكلمات، والمشهد يعبر عن ذاته، وحتى في إعلان الفريق السيسي للبيان التاريخي الذي سيؤسس فيه للخطاب الذي سيدعم اختيار الشعب في التغيير كان المشهد مدروسا بعناية فائقة ودقيقة.. فـ«عينات» الشعب التي ظهرت في الصورة معه كانت تعكس شرائح الشعب المصري كله وليس مجرد العشيرة ولا الجماعة كما كان يفعل الرئيس السابق محمد مرسي وحزبه الحاكم من قبل، فشيخ الأزهر وبابا الكنيسة والشباب والنساء والإسلاميون وغيرهم كلهم كانوا ممثلين. إنه الاهتمام بالتفاصيل الذي ولد مشهدا متكاملا وجعله يتحدث بلغة الواثق والمستمد للثقة من الشعب وإرادته. وهنا ظهر الفارق الهائل بين المدرسة السوفياتية والمدرسة الأميركية في هذا المشهد تحديدا.

مصر تدخل مرحلة مهمة من التاريخ، تدرس فيها اختياراتها بدقة، وتحاول التحرر من القيود من دون الوقوع في شراك، وهو خط رفيع ومسار مليء بالألغام.

السيسي يشارك في صناعة حاضر انتقالي لمصر في حقبة حرجة، وعليه أن يركز على اليوم وعلى الغد من دون الالتفات للماضي المعقد والحزين.