إسرائيل.. شريكة القرار

TT

إذا كانت ثمة تعزية للبنان «الدولة» على فقدانها هيبتها الرسمية.. فقد يكون مشاركة الولايات المتحدة في هذه الظاهرة. واللافت في كلتا الظاهرتين أن «الفضل» فيهما يعود إلى عدوين لدودين؛ حزب الله، بالنسبة للبنان، وإسرائيل، بالنسبة للولايات المتحدة.

ولكن ما يبدو متوقعا بالنسبة للبنان، في ظل الظروف الداخلية والإقليمية القاسية التي يعيشها حاليا، لا يبدو مبررا بالنسبة للدولة الأعظم في عالم اليوم. وفي الواقع، لا يسع كل من تابع «تأنيب» إسرائيل للإدارة الأميركية على موقفها من مفاوضات الملف النووي الإيراني إلا أن يتساءل: أين الولايات المتحدة اليوم من الولايات المتحدة الأمس؟

عام 1957، وبعد «انتصار» عسكري سريع على مصر، هندس إخراجه وتنفيذه التواطؤ البريطاني - الفرنسي معها، أجبر الرئيس الأميركي آنذاك، الجنرال دوايت أيزنهاور، إسرائيل على الانسحاب من الأراضي المصرية المحتلة بلا غنيمة تُذكر، بداعي أنه «لا يمكن السماح لدولة هاجمت واحتلت أراضي دولة أخرى، على الرغم من معارضة الأمم المتحدة، أن تفرض شروطا مقابل انسحابها».. فكان أن رضخت إسرائيل، و«بلعت» كبرياءها. وانسحبت بالكامل من شبه جزيرة سيناء.

عام 1991، طلب الرئيس الأميركي جورج بوش (الأب) من إسرائيل ألا تحرك ساكنا، في مواجهة أي «اعتداء» عراقي عليها، كي لا تعرّض حربه على العراق لتهمة التواطؤ مع إسرائيل، فتفسد عليه مهمة تحرير الكويت.. فكان أن «استقبلت» بالرضا والتسليم 40 صاروخا من صواريخ نظام الرئيس العراقي صدام حسين ضربت عمق أراضيها، فيما شكل تحديا سافرا لا لأمنها فحسب، بل لاستراتيجيتها الثابتة في حماية داخلها من أي تهديد خارجي، ونقل معاركها إلى ما وراء حدودها.

أما اليوم، وفي وقت تحولت فيه الولايات المتحدة إلى الدولة شبه الأعظم في العالم، تنقلب العلاقة الثنائية مع إسرائيل رأسا على عقب.. لتصبح واشنطن هي الدولة التي «تتنازل» لإسرائيل عن مواقفها الدولية.

هل أصبح من الصعب على واشنطن أن تتخذ موقفا دوليا لا يرضي إسرائيل وحكامها؟ واستطرادا، كيف يمكن أن تسكت عن تقارير الإعلام الإسرائيلي حول معاملة نتنياهو الجافة - والأصح الوقحة - لوزير الخارجية الأميركي جون كيري، في مطار تل أبيب، التي وصلت حد الامتناع عن مصافحته.. بسبب استيائه من موقف واشنطن المحبذ لإبرام اتفاق مع إيران بشأن ملفها النووي؟

قد لا يُلام جون كيري على سكوته عن هذه المعاملة الإسرائيلية، بعد أن شهد عودة رئيسه، باراك أوباما، عن قراره رفض استقبال نتنياهو - الذي وصفه بـ«الممل» - بشهادة الكاتبين الصحافيين الأميركيين جون هيلمان، «نيويورك تايمز»، ومارك هالفرن، «مجلة تايم»، اللذين نقلا ملاحظة أوباما في سياق لقاء عقده مع الطاقم المكلف الإشراف على حملته الانتخابية، وذلك في كتابهما «قوانين اللعبة 2012».

لكن التبرم من نتنياهو لم يحل دون فتح أبواب البيت الأبيض على مصراعيها له، ولا دون الاستماع إلى مآخذه على الاتفاق المقترح مع إيران ليعلن أوباما، بعد اللقاء، أنه لا يسحب أي خيار عن الطاولة، بما في ذلك الخيار العسكري.

منذ عام 2009، ونتنياهو ينتهج سياسة تصادمية مع أكبر حليف دولي له، فيما تجهد الإدارة الأميركية لإبقاء خلافاتها معه بعيدة عن الأعين، فقبل خلافهما على تسوية ملف إيران النووي، نشب خلاف سابق بينهما عام 2010 على خلفية دعوة أوباما (في حفل في حديقة الورود في البيت الأبيض) إلى وقف الاستيطان الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة لتنشيط محادثات السلام في الشرق الأوسط.. وكما بات دارجا، انتهى الخلاف بإعلان أوباما، في سبتمبر (أيلول) من العام نفسه، أنه لن يحاول بعد ذلك «إقناع» إسرائيل بتجميد بناء المستوطنات كشرط مسبق لإعادة محادثات السلام.

عرف الحبيب مقامه.. فتدلل. والحبيب يعرف أن مقامه المفضل هو الكونغرس الأميركي، حيث يستدر نتنياهو تصفيقا يفوق ما يحصل عليه الرئيس الأميركي.. فلماذا لا يستغل هذا الوضع لإبلاغ واشنطن أن إسرائيل باتت شريكا إلزاميا لقرارها الإقليمي في الشرق الأوسط؟