نقطة الهجوم

TT

في الدراما، والسياسة ليست بعيدة عنها، كان أساتذتنا يؤكدون على الاهتمام بنقطة الهجوم في كتابة النص المسرحي. لقد اخترت فكرتك وربما تكون هي التي اختارتك وطاردتك لكي تكتبها، غير أن الفكرة، أي فكرة، لها جوانب كثيرة، وكل جانب يستلزم مسارا عليك أن تلتزم به، فأي مسار ستختار، ما المشهد الذي ستبدأ به، ما المشهد الذي ستهجم به على موضوعك؟ نقطة الهجوم إذن هي محطة القيام في العمل الفني والسياسي أيضا، إنها ذلك المشهد الذي يحدد مسارك بل يحدد أيضا طبيعة النهاية التي ستنتهي إليها. وعندما أفكر في نقطة الهجوم عند الرئيس السابق محمد مرسي، أي المشهد الأول الذي اختاره ليبدأ به مسيرته، أرى بوضوح أنه كان يحتم المشهد الأخير الذي انتهى به حكم جماعة الإخوان.

كل المناصب الرفيعة تحتم أن يقسم صاحبها قسما له صيغة ما أمام عدد من البشر تحددهم الدساتير أو العرف أو التقاليد. ليس في ذلك جديد وليس بالأمر غير المألوف، لذلك كان المشهد المطلوب منه أداؤه، هو أن يقسم أمام قضاة المحكمة الدستورية العليا على احترام القانون والدستور بالإضافة بالطبع لبقية عناصر القسم. هل في ذلك صعوبة ما؟ هو وجد في ذلك صعوبة تتطلب تعديلا، لن يقسم أمامهم على الهواء مباشرة، سيقوم بتسجيل القسم ثم إذاعته بعد ذلك، غير أنه رضخ في نهاية الأمر لذلك، ثم اختار بعد ذلك أن يقسم علنا أمام «الجماهير» في ميدان التحرير. لقد صنع مشهده الخاص، ونقطة هجومه الخاصة، لقد هجم على أعلى درجات القدسية القضائية في مصر، اختار أن يمزق في مشهده الأول أصول العدل وأساساته علنا وأمام الجميع، وكان من المحتم أن يلتزم بنفس المسار إلى أن يقع هو وجماعته فريسة للعدل. هذا المشهد كان يحتم أن يتلوه مشهد محاصرة المحكمة الدستورية العليا ومنع قضاتها من الدخول والخروج ثم استدار بعدها إلى الإعلام في عملية إرهاب لم تعرفها مصر من قبل وهي محاصرة وترويع العاملين في مدينة الإنتاج الإعلامي بواسطة السرايا المعاونة المكونة من حلفائه.. هل ترى كل هذه المشاهد منقطعة الصلة بمشهده الأول، بنقطة هجومه؟

لم يكن من الصعب عليه أن يتعامل باحترام وتهذيب مع قضاة المحكمة الدستورية في مشهده الأول، فلماذا اختار أن يغضبهم، ما مكسبه في ذلك، أي هدف يحققه له هذا السلوك، لماذا لم يتعامل مع الإعلاميين باحترام يكسب به قلوبهم؟

أرجو ألا تكون الإجابة صادمة لك، لقد اختار كل هذه الأفعال بدافع لا يقاوم من غريزة تدمير الذات وهي من أقوى غرائز البشر وأكثرها ذكاء. هناك إحساس قوي بالذنب قاده إلى معاقبة نفسه وجماعته. عند هذه النقطة أنا أريدك أن تفكر في ذلك المصطلح الشعبي الشهير الذي نصف به بعض الأشخاص «الجدع ده باينُّه عاوز يروح في داهية» نحن نقولها عندما نرى بعض الناس يمشون بإصرار وحماسة في طريق الخسارة.