اليوبيل الفضي لـ«الحياة»

TT

تحتفل «الحياة» اليوم بربع قرن على إعادة صدورها من لندن. إنها مناسبة للتهنئة الخالصة، وبضع كلمات أخرى. لقد أطلقها في الصيغة الحالية الزميل العزيز جميل مروة، ولم يخالف بها قاعدته في الحياة: يؤسس المشاريع الناجحة، ثم يطفق باحثا عن مشروع آخر ينجِّحه لكي يطفق منه.

كانت «الحياة» الأولى في لبنان، أول صحيفة عربية غير محليَّة بالمعنى المهني والسياسي. مؤسسها كامل مروة جاء إلى بيروت من برلين، حيث كان يعمل للقضية الفلسطينية مع الحاج أمين الحسيني، في حين أن معظم الصحف الأخرى صدرت ببعد لبناني وأُفق مشرقي. استقطب كامل مروة الكتّاب العرب الكبار في تلك المرحلة، وكانت «الحياة» أول منبر عربي شامل خارج مصر. وسبقت في ذلك المنحى، صحيفة «النهار»، التي كان صاحبها غسان تويني، مُعجبا إعجابا انبهاريا بأستاذيّة كامل مروة وطريقته في العمل. كان يفاخر، أو يحرص على القول، إنه يفاخر في تقليده، في العمل وفي الإدارة. كلاهما كان مستقبليا يستبق والآخرون يلحقون.

تيسَّر لـ«الحياة» الجديدة في لندن ما لم يتيسَّر لـ«الحياة» الأولى في حي «الخندق الغميق». جمعت هنا الصحافيين والكتّاب من أنحاء العالم العربي. وأصبحت، مع «الشرق الأوسط»، صورة الصحافة العربية في الخارج. برزت فيها أقلام جديدة و«جوهرت» فيها أقلام عريقة. ولم يفتنا أي سبت من أي أسبوع قراءة الزميل الكبير سليم نصار، إلاَّ في إجازته السنوية. ونحن لا نقرأه فقط لمتعة القراءة ولذَّة الاطِّلاع، بل ما زلنا نقرأ لكي نتعلّم منه. وبعض دروسه في الرقي والخلق لا نرقى إليها.

وهناك متعة الاثنين مع غسان شربل، «الصندوق الأبيض» للسياسة العربية، الذي لم يترك صاحب دور إلاَّ وحاوره، ولم يترك صاحب سرد مؤثر إلاَّ وذهب إليه. لا أعرف في المهنة رئيس تحرير متنقِّلا مثل غسان شربل. يكتب التاريخ المعيش بلسان أصحابه. يذهب إلى الحدث بكل أُصول مهنيَّة ولا ينتظر أن يأتي الحدث إلى إيوانه.

يصعب علينا أن نسمّي دون أن نظلم. لكن الألمعية الصحافيّة تتخذ شكل الرسم مع حبيب حداد. ريشة تفوق القلم في التعبير، وسخرية عبقرية سخَّرت نفسها فقط للبعد الإنساني في رؤية القضايا. الكاريكاتير أصعب الفنون. والصحافة ليست أسهل المهن. والمنافسة فيها، أجمل ما فيها. وقد تزول قريبا المنافسة في الورق، لكن المنافسة في الحبر ستبقى. وكلَّما صدرت صحيفة عربية راقية شعرنا بالطمأنينة، ليس فقط إلى مستقبل المهنة بل أيضا إلى ما بقي للأمة نفسها من مستقبل.. السقط كثير.