مصر: مستقبل الدولة و«الجماعة»

TT

أعلنت الحكومة المصرية يوم الخميس الماضي رفع حالة الطوارئ وحظر التجول في خطوة مهمة لاستعادة الاستقرار بعد أشهر من محاولات حثيثة لزعزعته من قبل جماعة الإخوان المسلمين التي لم تزل تعيش حالة إنكار لزوال نظامها السياسي وسيطرتها على سدة الحكم بمصر.

وينتظر المصريون أن تصدر السلطات قانونا جديدا لتنظيم «الحق في التظاهر» حتى يمكن الاستمرار في خارطة المستقبل التي أعلنت عنها الحكومة، وتحجيم أي آثار سلبية ربما تنتج عن رفع حالة الطوارئ وحظر التجول قد يجد من خلالها «الإخوان المسلمون» منفذا لنشر التخريب أو الإرهاب في عموم المدن والقرى المصرية.

تشهد الدولة المصرية حربا شرسة من قبل جماعة الإخوان المسلمين وحلفائها من جماعات العنف الديني، والدولة المصرية وأجهزتها الأمنية والعسكرية تمتلك خبرة طويلة في مواجهة هذه الجماعات، وهي قادرة على القضاء عليها وإن احتاج الأمر لبعض الوقت، والمشكلة ليست في المواجهة الداخلية مع هذه الجماعات التي تتبنى الإرهاب، ولكن المشكلة الأكبر كانت مع الدول الغربية الداعمة والتي حاولت الضغط على الدولة المصرية لولا موقف المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات ومعظم دول الخليج، الداعم للدولة المصرية بعد 30 يونيو (حزيران) من العام الحالي.

حين يضعف الحلفاء الكبار أو يتبنون سياسات لا تخدم الدول تتجه هذه الدول بشكل طبيعي إلى التفتيش عن خيارات تحمي سيادة الدولة ومكانتها، وهو ما يجري بمصر المحروسة، فتخلي الولايات المتحدة تحت إدارة أوباما عن غالب حلفائها في المنطقة يجبر هذه الدول على البحث عن حلول من ضمنها بناء منظومات من التحالفات والمصالح مع دول العالم تؤمن النقص الحاصل جراء تخاذل الحليف الأكبر.

إن مفاوضات التسليح العسكري التي تجري بين مصر وروسيا تصب في هذا الإطار، فخروج إدارة أوباما من المنطقة فتح الباب واسعا لروسيا للعودة من جديد لتحالفات قديمة في المنطقة، والتلويح، مجرد التلويح، بقطع المعونات العسكرية من قبل أميركا يجبر الدولة المصرية على فتح قنوات جديدة تضمن جاهزية الجيش لأي طارئ، والإبقاء على مكانته كحارس أمين على الدولة المصرية وشعبها.

لا يمكن أن تغيب عن الذهن حالة الحرب التي تشنها جماعة الإخوان المسلمين ضد الدولة المصرية والشعب المصري عن قراءة هذا الانفتاح المصري تجاه روسيا، فروسيا لم تزل تعتبر جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، وهي لا ترحب بها ولا بأي فروع لها، بينما نجد أميركا وغالب الدول الغربية وقفت في المرحلة القريبة الماضية موقف المؤيد والداعم لوصول هذه الجماعة وفروعها لسدة الحكم في أكثر من بلد عربي، وهذه المواقف عميقة التأثير على صانع القرار المصري في ظل الظروف القائمة.

ليس في الدبلوماسية حلول جذرية ومواقف متطرفة إلا في حالات نادرة، ومصر بهذه التوجه الجديد لن تلغي تحالفها الطويل مع أميركا والغرب، ولكنها إضافة فيها موقف سياسي معبر وحرص استراتيجي في تسليح الجيش، ومزيد من تدعيم السيادة الوطنية.

في الداخل المصري لن تهدأ الأمور عاجلا بين الدولة المصرية وجماعة الإخوان المسلمين، وسيسعى كل منهما لما هو بصدده من إثبات القوة والتأثير، ولكن مع تباين الأهداف وتناقض الغايات على المستويات الثلاثة: الداخلي والإقليمي والدولي.

أولا: المستوى الداخلي، بحيث ستنشغل الدولة المصرية في إعادة بناء الدولة الحديثة واستعادة الاستقرار وترسيخ الدولة الوطنية، وبسط هيبة الدولة ومحاولة احتواء التيارات المؤيدة للجماعة أو المنشقة عنها، بينما ستنشغل الجماعة في محاولات هدم كل ما سبق، فستسعى لنشر التخريب والدمار وستنشر فكرها الأممي العابر للحدود على حساب التوجهات الوطنية، وستستمر في تبني العنف والتحالف مع جماعاته، وستهاجم أي فصيل أو حزب يقبل بالأوضاع الجديدة ويتعايش معها، وستحاول تشويهه بشتى الوسائل والسبل، كما تصنع مع «حزب النور» السلفي على سبيل المثال.

ثانيا: المستوى الإقليمي، بحيث ستتجه الدولة المصرية إلى بناء تحالفات إقليمية مع الدول العربية التي وقفت إلى جانبها في سعيها للخلاص من تسلط جماعة الإخوان المسلمين، والتي تقف على رأسها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، ومعهما دول الخليج العربي باستثناء قطر، وكذلك الأردن، وهي الدول التي اتخذت مواقف سياسية صلبة في الدفاع عن خيار الشعب المصري في مواجهة ضغوط غربية داعمة لـ«الإخوان» بعد 30 يونيو، وهذه الدول قدمت دعما سخيا للاقتصاد المصري وتعهدت بالاستمرار في مساعدة الدولة المصرية لتجاوز أزمتها.

وبالمقابل، سيراهن «الإخوان» على مراكز الثقل الإخوانية الجديدة في تركيا التي يقودها سياسيا قيادات تنتمي للإسلام السياسي وتدعم الجماعة وتهاجم الدولة المصرية الجديدة، وكذلك سيراهنون على التحالف غير القصير مع دولة قطر، وهي سياسة معلنة منذ عقد ونيف، وستكون الجمهورية الإسلامية في إيران داعما قويا للجماعة للتاريخ الطويل المشترك منذ حسن البنا ونواب صفوي وآية الله الكاشاني وكذلك سيد قطب والمرشد الإيراني الحالي علي خامنئي، والسياسات التي اتبعتها الجماعة في السلطة في التواصل مع إيران ومعاداة الدول العربية. وسيراهن «الإخوان» كذلك على التنظيمات والرموز التابعة لهم في الدول العربية والإسلامية، وهي تنظيمات بعضها كبير ولديها مصادر تمويل وسبل تأثير تبتدئ من مؤسسات التعليم وخطب المساجد ولا تنتهي بمواقع الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.

ثالثا: المستوى الدولي، حيث ستهتم الدولة المصرية باستعادة سيادتها الكاملة على أراضيها ورفض التدخلات الأجنبية ومواجهة الضغوط من الدول الغربية، ومن ثم استعادة العلاقات الطبيعية معها، وهو أمر قد بدأت تحصد نتائجه فعليا، كما ستتوجه لبناء علاقات دولية جديدة مع بعض القوى الدولية الكبرى، كروسيا الاتحادية وصفقات التسليح المذكورة أعلاه، ويجب على الدولة المصرية ألا يقتصر تعاملها مع الدول الغربية على الطرق الدبلوماسية فحسب.

بالمقابل، ستركز الجماعة على بعض وسائل الإعلام الغربية وبعض المؤسسات الحقوقية والإنسانية بشكل عام لتسويق المظلومية التاريخية والكربلائية المعهودة التي لطالما نجحت في استغلالها واستدرت بها التعاطف، وستقوم بتحريك فروع الجماعة في الدول الغربية وفي العالم الإسلامي. وستعتمد على التغلغل الإخواني القديم في الجمعيات الخيرية والمؤسسات المدنية في الغرب.

أخيرا، ستكسب الدولة معركتها في النهاية، ولكن ليس من دون آلام وخسائر، وعليها أن تجد لنفسها نموذجا خاصا في التعامل مع الأحزاب الدينية التي تشتغل بالسياسة.