المصدر مشتق من الجوهر

TT

كان الشيخ الدكتور صبحي الصالح أحد أبرز علماء اللغة في لبنان، وكان من معجبيه الحسن الثاني، الذي طالما دعاه إلى المغرب ليصغي إليه؛ الأول كمفتون باللغة (كما كان يصف نفسه)، والثاني كبليغ من بُلغائها. اغتيل الشيخ العالم في حرب لبنان الآثمة، وبقي المجرم مجهولا، كما في جميع جرائم لبنان الكبرى. فقط القاتل الصغير يُكشف، أما القاتل الحقير فلا.

كان مقتل الصالح جريمة مضاعفة، لأنه عجّل بغياب رجل من طبقة عبد الله العلايلي وعمر فروخ، وذلك الجيل الذي جعل بيروت فرعا صغيرا للأزهر. وقد ترك نحو 20 مؤلَّفا في اللغة، قاعدتها تصحيح بعض القواعد السابقة، وليس التسليم بنواقصها. ومن مواقفه تأييد القدامى القائلين بالاشتقاق من الاسم لا من الفعل، لأن أصل المشتقات الأسماء لا الأفعال، والحسي منها لا المعنوي، لأنه أسبق في الوجود. ويقول ابن جني إن «المصدر مشتق من الجوهر، كالنبات من النبت، والاستحجار من الحجر».

يأخذ الشيخ على الكوفيين أنهم أخذوا بالفعل أصلا للاشتقاق. ويقول: «فمن ذا يصدِّق أن مصدر التأبل (أي أفخاذ الإبل) قد وُضع قبل أن يوضع لفظ إبل نفسه، أو أن مصدر التأرُّض (اللصوق بالأرض) وُضع قبل لفظ الأرض؟ أو أن لفظ الاحتضان وُضع قبل الحضن، أو التضلُّع قبل الضلع، أو التبحُّر قبل البحر، أو السموّ قبل السماء؟».

يعطي لرأيه سندا آخر، بدءا بأسماء الأعضاء في الإنسان: تقول رأسته من رأس. وإن أصبت أذنه فقد أذنته. وإن أصبت منخره فقد نخرته، أو ذقنه ذقنته، أو ظهره ظهرته. ومن أسماء الأقارب اشتقوا المصادر والأفعال: التبني من الابن، والتأبي من الأب، والتأمم اتخاذ الأم. وولّدوا الكثير من الألفاظ من أسماء الأمكنة، فقالوا: أحرم القوم، دخلوا في الحرم. ساحلوا، أتوا الساحل. أعمن الرجل، أتى عُمان. كوَّف، صار إلى الكوفة. قدَّس، أتى بيت المقدس. أهضب، نزل الهضاب.

ومن أسماء الأزمنة اشتقوا اشتقاقا صريحا، فقالوا: أخرفوا وشتوا وأربعوا وأصافوا وأفجروا وأظهروا وآصلوا واستمروا وابتكروا. وأضيف إلى أمثلة الشيخ ما تقوله العامة في لبنان: صيّفوا وشتّوا وربّعوا من الربيع.

ويؤيد الشيخ الاشتقاق من الأصوات، بعكس المدارس الأخرى، لكنه يعارضه في الاشتقاق من الأسماء الأعجمية. لكن الأستاذ فاروق شوشة الأمين العام لمجمع اللغة العربية في القاهرة، لا يرى ضيرا في ذلك، إذا صعب العثور على بديل، ويعطي على ذلك مثال كلمتي تلفزيون وتليفون اللتين اعتُمِدتا بدلا من الرائي والهاتف.