تركيا والعراق والأكراد

TT

كنا نقول دائما لمن يصنفون تركيا، التي تنتهج سياسة تصفير المشكلات مع جيرانها، بـ«الرجل المعزول في الشرق الأوسط» إن هذه الحالة «وضع مؤقت، فالأحلام العظيمة لا تتحقق من دون مواجهة الصعاب»، وعلى وجه الخصوص في خضم ربيع العنف الذي نشهده حاليا في منطقة الشرق الأوسط.

هناك ثمن باهظ سنضطر إلى تكبده بسبب المشكلات مع دول الجوار، فقد عزز الصراع التركي - السوري من قوة تنظيم القاعدة وحزب الاتحاد الديمقراطي على الحدود، بينما تسبب النزاع التركي - العراقي في حدوث مواجهات بين السنة والعراق في العراق الذي يسوده الاضطراب بالفعل. كما لم تتوقف التفجيرات ولم تنتهِ حالة عدم الاستقرار، بيد أن الأكراد كانوا الطرف الأكثر تضررا على الدوام في كلا البلدين.

حاولت الولايات المتحدة رأب الصدع وإيجاد حل لهذا الأمر، لكنها أخفقت في التوصل إلى حل بشأن سوريا. ويتوق الجميع لرؤية ما ستؤدي إليه العلاقات التفاؤلية، على نحو متزايد، مع إيران، في الوقت الذي أرجأت فيه محادثات السلام العقيمة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

لا يمكننا النظر إلى كل هذه الأوضاع وإلقاء اللائمة على الولايات المتحدة بسبب اتباع سياسة غير ناجحة، فقد طرأ تغيير كبير على الشرق الأوسط تجاه السياسيات القديمة المعتادة للولايات المتحدة، ورغبة دول المنطقة مثل تركيا في التدخل.

لم يكن من الصعب، خلال الشهر الماضي، إدراك التدخل التركي في الكثير من القضايا التي انسحبت منها الولايات المتحدة. فالعلاقات الطيبة مع إيران وصور الصداقة، التي جرى التقاطها، بين داود أوغلو وظريف تبعث برسالة مفاده «هيا بنا نحل مشكلة سوريا معا» وتشير إلى وجود تحالف رئيس في المنطقة. هذه العلاقات الإيرانية – التركية الوطيدة ستعني كذلك وجود علاقات شيعية - سنية طيبة.

ولننتقل إلى الحديث بشأن العراق، فقد بدأ التوتر الرئيس مع العراق، على مدار العامين الماضيين، عندما زار داود أوغلو شمال العراق المتمتع بحكم ذاتي عن بغداد، وأبرم عددا من الاتفاقات هناك، إضافة إلى سعي الهاشمي، نائب رئيس الوزراء المحكوم عليه بالإعدام من قبل النظام العراقي، لطلب اللجوء السياسي في تركيا. أدى هذا التوتر مع العراق إلى طرح تساؤلات جديدة بشأن السياسة الخارجية لتركيا عقب الانتقاد الشديد لسياستها تجاه مصر وسوريا. ومن ثم كانت هناك حاجة إلى اتخاذ الخطوات الملائمة للتغلب على تلك الصعوبات.

جاء التحرك المناسب من خلال الدعوة الرسمية التي أرسلها رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان إلى المالكي منذ شهور قليلة. وجرت زيارة وزير الخارجية العراقي زيباري إلى تركيا وزيارة وزير الخارجية التركي داود أوغلو في أعقاب ذلك في أجواء من الوئام والصداقة. وتجري تركيا حاليا استعداداتها لاستضافة المالكي، في حين تستعد العراق لاستضافة أردوغان بعد أسابيع من هذه الزيارة.

على الصعيد السوري، تحتاج التحالفات التركية في الشرق الأوسط إلى تعزيزها في مواجهة ببشار الأسد، الذي يتصرف تحت حماية وأوامر دولة عميقة قوية. وتدرك تركيا الآن أكثر من أي وقت مضى أنه من غير المنطقي انتظار حلول من الولايات المتحدة أو أي عضو من أعضاء حلف الناتو حل مشكلة دولة إسلامية في الشرق الأوسط، بل يجب على المسلمين حلها.

بيد أن المؤكد أنه لا توجد مبادرات تجاه سوريا، وهو ما يدفع تركيا للقيام بخطوات قوية تجاه سوريا إلى أن يطاح بنظام الأسد. وسيظل اللاجئون السوريون، الذين يتوقع أن تصل أعدادهم إلى مليون لاجئ في الأشهر المقبلة، يتمتعون بحماية تركيا لتوفيرها الظروف الإنسانية للاجئين،.

تتضمن الخطوة الثانية القوية، بخصوص سوريا، وجود الأكراد. فحينما تقرأ هذه السطور سيكون بارزاني، زعيم المنطقة الكردية التي تتمتع بالحكم الذاتي في العراق، قد التقى رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان في ديار بكر. ولكن ماذا يعني ذلك؟ بالنسبة للذين ليسوا على دراية بهذا الشأن، فإن ذلك الأمر يعني ما يلي:

1) لقد كنا في عملية سلام في العام الماضي مع حزب العمال الكردستاني (الشيوعي)، الذي نشر العنف عبر تركيا لمدة ثلاثين عاما. ويعتبر لقاء أردوغان مع زعيم مثل بارزاني، الذي يعد شخصية مسالمة ومثقفة تحظى بتقدير كل الأكراد بوجه عام، ميزة كبيرة على المستوى النفسي لمواصلة عملية السلام، التي تستمر في السير بخطى سريعة حتى على الرغم من مواجهة الكثير من تهديدات العنف.

2) يعتبر حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي أعلن الاستقلال الذاتي في سوريا الأسبوع الماضي، جماعة مسلحة موالية للفكر الشيوعي وامتدادا لحزب العمال الكردستاني. وكانت منطقة روز آفا في سوريا، حيث يعيش الأكراد، تتعرض لضغوط مقاتلي تنظيم القاعدة وحزب الاتحاد الديمقراطي لفترة طويلة. وعلاوة على ذلك فإن توجيه بارزاني رسالة قوية من تركيا بشأن الوحدة سيريح هذا الشعب نفسيا، ويقوض من استقلال حزب الاتحاد الديمقراطي.

يعتبر بارزاني زعيما واثقا بنفسه يتقارب مع العرب والأكراد والتركمان وشعوب كل الطوائف والمعتقدات في المنطقة بصورة ودية، على الرغم من معارضته حزب العمال الكردستاني آيديولوجيا. وفي ضوء هذه الطبيعة المسالمة واللغة الاسترضائية والنبرة الاستعطافية عاش الأكراد دوما مطمئنين حول بارزاني. وسيضع التحالف، الذي ستقيمه قوة إقليمية مثل تركيا مع بارزاني كهمزة وصل مع الحكومة العراقية، كل الأكراد في روز آفا وشمال العراق وجنوب شرقي تركيا تحت الحماية بشكل أساسي.

ويعتبر ذلك هو السبب وراء أهمية رسائل الوحدة، حيث إنها توقف وتعوق، على الفور، مخططات الانتهازيين الذين يظهرون مع تهديدات العنف، بالإضافة إلى تعزيز وتقوية حالة السلم والوئام. ومن الطبيعي جدا للولايات المتحدة أن تعجز عن تأسيس وحدة في الشرق الأوسط بمفردها، حيث يجب على دول منطقة الشرق الأوسط أن تفعل ذلك بنفسها اعتمادا على مبدأ السلام الذي يقرره الإسلام. كانت الخطوة المنتظرة والمرجوة من تركيا، والمتمثلة في دخولها في معادلة بوصفها «كوسيط مفترض» لإحلال السلام وتحقيق المصالحة، أمرا أساسيا. وبعد ذلك فإن وجود تركيا التي تمد يد المودة والصداقة إلى مصر وتتصالح مع الأطراف هناك، وتتوسط كحكم في محادثات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، يعد أمرا جوهريا أيضا. لقد شهدت هذه الأراضي مصاعب الانقسام بشكل يفوق الحد، وقد حان الوقت لاتخاذ الخطوات المناسبة واحدة تلو الأخرى.ميشيل