إدارة الكوارث

TT

أكثر من كارثة طبيعية تعرضت لها المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة في مدن مختلفة فيها، وكانت هناك نتائج سلبية في كل مرة.

فاليوم مشاهد سيول الأمطار في العاصمة السعودية الرياض، والأضرار المادية الناتجة عن ذلك، تعيد إلى الذاكرة مشاهد أضرار سيول مدينة جدة التي أصابت عروس البحر الأحمر بأضرار عظيمة لسنتين متتاليتين، والسيول التي أصابت مناطق أخرى في المملكة مثل حائل والمنطقة الشرقية. ولا يزال الكثيرون يتذكرون الزلازل التي أصابت المناطق المحيطة بمنطقة المدينة المنورة وجرى فيها إيواء أعداد كبيرة من السكان بشكل احتياطي خوفا من وقوع أضرار أكبر تهدد أرواحهم، وكذلك يتذكر عدد غير قليل من الناس ما حصل من نزوح جماعي مهول من مناطق حدود السعودية مع اليمن بسبب اعتداءات ميليشيات جماعة الحوثيين على المناطق الحدودية المتاخمة.

كل هذه الأمثلة المتفرقة تؤكد أن هناك تحديا استثنائيا مطلوبا مواجهته يتعلق بكيفية مواجهة الكوارث والتعامل معها بصورة مؤسساتية ومنظمة بدلا من «كل حالة بحالتها» بشكل منفصل.

الاتجاه مطلوب هو تأسيس هيئة عليا للكوارث يجري فيها تحديد مواقع استراتيجية للإخلاء، وتكون واضحة ومعروفة للجميع، ومخارج للطوارئ تستخدم في حالات الطوارئ، وتفعيل وسائل اتصالات للطوارئ وسط كل الأجهزة المعنية؛ من دفاع مدني وشرطة ومرور وإسعاف ومستشفيات ومطار وموانئ وسكة حديد حتى يكون الحوار والمسؤولية والأداء على وتيرة واحدة. لأن الأحداث والأمثلة التي أشرت إليها أوضحت أن هناك تباينا وتفاوتا في الأداء، وأن هناك تطورا نوعيا مطلوبا في مواجهة هذه النوعية من الكوارث التي حتما ستكون متكررة. وذلك بحسب الدراسات والتوقعات والاستنتاجات العلمية المختلفة التي تراقب الحراك المناخي العالمي ودراسات قشرات طبقات الكرة الأرضية والاستفادة من التجارب والاعتماد على التعلم من الأخطاء السابقة والتمعن بعمق ودقة في تجارب الدول والشعوب الأخرى في مواجهة الكوارث والاستعداد لها.

العلوم والتقنية أصبحت تمكن الدول من أن يكون لديها الأيام والساعات الكافية للتجهيز لمواجهة الكوارث، وشاهدنا ذلك بوضوح في مثالين متتاليين في القارة الآسيوية، وتحديدا في كل من الهند والفلبين. فالهند تعاملت مع الموضوع بعناية ودقة ورصدت وجود حالة مناخية استثنائية تتطلب الحذر الشديد، وبدأت بتطبيق خطة طوارئ محكمة شملت إعادة إيواء وإخلاء مناطق ضخمة، مما مكن الهند من تفادي كارثة بشرية كان من الممكن أن تحصد الآلاف من الضحايا، على عكس ما حصل في الفلبين، حيث كان التعامل مع الحالة المناخية الهائلة متراخيا ولم يكن هناك أي جاهزية ولا خطة طوارئ، وكانت النتائج بالتالي كارثية وأعداد الضحايا أقل ما يقال عنها أنها مفزعة.

إدارة الأزمات والتعامل مع الطوارئ فن ومهارة وعلم أيضا، ومن أهم الدول التي تميزت فيها اليابان وألمانيا. وشاهد العالم بانبهار وإعجاب كيف تعاملت اليابان مع كارثة الزلزال الذي تسبب في موجة التسونامي، إضافة للتسرب الإشعاعي من المفاعل النووي، لقد كان ذلك درسا هاما لكل المهتمين بهذا المجال المؤثر والمهم، وبات تعامل اليابان مع كارثتها مادة تدرس.

واليوم في السعودية مطلوب أن يكون التعامل مع الكوارث بشكل علمي ومؤسساتي ونظامي، والاستفادة من قصور وعيوب ما حدث، والنظر للمستقبل بعين التحدي والجدية والجاهزية.