«إتيكيت» الأدب في لقاء الطبيب مع مريضه

TT

ثمة فجوة واسعة لا تزال تفصل بين ما «يجب» أن يقوم به الطبيب في تعامله مع مريضه، وما يقوم به الطبيب «فعلا» في تعامله مع مريضه. ولا تزال اللباقة في تعامل الطبيب مع مريضه مشكلة عالمية، يشكو منها المرضى وأيضا تشكو منها الهيئات المعنية بتوجيه عمليات تقديم الرعاية الطبية. وعلى الرغم من قناعة جميع الأطباء في كل أنحاء العالم أن اللباقة والذوق وحُسن الخلق ودماثة التعامل و«إتيكيت» التواصل كلها عناصر مهمة في نجاح إتمام العملية العلاجية للمريض ورفع مستوى رضا المريض بالخدمة المقدّمة له، فإن «التنظير» شيء، والواقع في غرفة تنويم المريض أو العيادة شيء آخر.

وربما يتصور البعض أن تدني مستوى اللباقة في تعامل الطبيب مع مريضه مشكلة واقعة في إحدى المناطق النائية أو ذات المستوى المتواضع في أنظمة تقديم الرعاية الطبية بالعالم، ولكنها في الواقع مستفحلة حتى في أكثر أنظمة تقديم الرعاية الطبية تقدما في العالم، لدرجة أن الباحثين الطبيين في الولايات المتحدة لا يزالون يبحثون في مدى تفشي هذه المشكلة لديهم وينظرون بعين النقد لمستوى أدب لقاء الأطباء مع المرضى.

وضمن عدد 4 نوفمبر (تشرين الثاني) من «مجلة طب المستشفى» Journal of Hospital Medicine، نشر الباحثون من مستشفى جونز هوبكنز ومن المركز الطبي لجامعة ميريلاند دراستهم الحديثة حول هذا الأمر بعنوان «هل أطباء الامتياز في أقسام الباطنية يمارسون التواصل المستند إلى الآداب؟ نظرة ناقدة على لقاء المرضى المنومين» Do internal medicine interns practice etiquette - based communication? A critical look at the inpatient encounter، التي راجع الباحثون فيها مجريات أحداث نحو 800 لقاء بين طبيب ومريض.

وقيّم الباحثون مجريات أحداث هذه اللقاءات بمقارنتها مع ما جرى إفهامه مسبقا للأطباء بتبني أسلوب التعامل مع المرضى باستخدام الأساليب الأساسية (أو الأساسيات) الخمسة لاستراتيجية «التواصل المستند على الأدب» etiquette - based communication. وتشتمل هذه الاستراتيجية ضرورة التزام الطبيب بعناصر اللباقة الخمسة التالية حال لقائه للمريض، وهي: أولا تعريف الطبيب بنفسه عند بدء اللقاء مع المريض، وثانيا شرح الطبيب للمريض دوره الوظيفي في عملية تقديم الرعاية الطبية له، وثالثا لمس المريض من خلال إما فحصه السريري أو مصافحة الطبيب للمريض، ورابعا اعتماد الطبيب طرح أسئلة ذات نهايات مفتوحة مثل «كيف تشعر اليوم؟»، بدلا من الأسئلة ذات النهايات المحددة والتي لا تعطي الفرصة للمريض للتعبير عما يشعر به بارتياح، وخامسا: جلوس الطبيب بجوار المريض حال الحديث معه بدلا من الوقوف الذي يُشعر المريض بأن الطبيب في عجلة من أمره، ولا وقت لديه لمحادثة المريض والإنصات بعناية لشكواه.

ولاحظ الباحثون أن سلوكيات لقاء الأطباء المشمولين في الدراسة مع مرضاهم تفتقر إلى اللباقة العامة. وعلى سبيل المثال أظهرت نتائج الدراسة أن لمس الطبيب للمريض جرى فقط في 65 في المائة من الحالات، مما يعني أن الطبيب لم يصافح مريضه ولم يفحصه سريريا في 35 في المائة منها. وفي 25 في المائة من الحالات، لم يعتمد الطبيب طرح أسئلة مفتوحة مريحة للمريض ومسهِّلة لتعبيره عن مشاعره. وفي 60 في المائة من الحالات لم يعرّف الطبيب بنفسه للمريض، وفي 63 في المائة من الحالات لم يعرف الطبيب دوره في خدمة علاج المريض. وأن 9 في المائة من الأطباء فقط جلسوا على كرسي بقرب مريضهم خلال الحديث معه!

وبالمحصلة، لاحظ الأطباء أن 4 في المائة فقط من حالات لقاء الطبيب بالمريض جرى فيها تطبيق الأساسيات الخمسة، وأكدوا في الوقت نفسه على أن تدني مستوى اللياقة الأدبية لحديث الطبيب مع مريضه يُؤثر سلبيا على مستوى رضا المريض وتحسين فرص استعادته للعافية والصحة. وأفادوا بأن ثمة حاجة مُلحّة لتحسين التواصل فيما بين الأطباء والمرضى.

وعلق الدكتور ليونارد فيلدمان، الباحث الرئيس بالدراسة والأستاذ المشارك في الطب الباطني بكلية طب جونز هوبكنز، بالقول: «أشياء أساسية بإمكانها أن تحدث فرقا في نتائج معالجة المرضى، ولا تجري ممارستها كما ينبغي، وهي أمور على درجة عالية من الأهمية للمريض، ومن السهل تطبيق ممارستها».

والأمر المهم الذي صرح الباحثون به في تحليلهم لنتائج الدراسة، والذي يستحق البحث في أسبابه، هو أن أطباء الامتياز لا يمارسون أسلوب اللياقة والأدب كما هو مطلوب لأن يروا دائما أطباءهم الذين يشرفون على تدريبهم، أي الأطباء الاستشاريين، لا يمارسون تلك السلوكيات ذات اللياقة الأدبية في مقابلة المرضى والحديث معهم، وبالتالي لا يحرصون على تلك الأمور التي من الواجب أولا أن يطبقها كبار الأطباء قبل صغارهم.

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]