كيندي والبندقية (المدينة)

TT

كنت أتناول طعام الغداء مع عدد من الرفاق عندما جاءنا النادل فجأة وقال: «لقد قتلوا جون كيندي». أكملنا الطعام. لم يكن هناك «آيباد» نلجأ إليه ولا هواتف جوالة، والتلفزيون لم يكن حاضرا إلا في بعض المنازل. في المكتب، بعد الظهر، حملت وكالات الأنباء ملايين الكلمات عن الحدث. من كان صحافيا في «القسم الخارجي» سوف يمضي السنوات التالية ينقل إلى الناس «آخر أخبار جريمة القرن». الحقيقة أنه كان قرن الجريمة.. بدأ باغتيال أرشيدوق النمسا، الذي أشعل الحرب العالمية الأولى، وكان قرن اغتيال غاندي، ولن يتوقف عند جون كيندي، بل سوف يغتال أيضا شقيقه روبرت، ويقتل مارتن لوثر كينغ.

التي قتلت جون كيندي آنذاك، كانت لا تزال أميركا الغارقة في العنصرية.. لذلك لم تتوقف نظريات المؤامرة عند حد: المافيا.. فيدل كاسترو.. نائبه.. ليندون جونسون.. السوفيات. لم يصدق أحد أن القاتل كان رجلا يدعى لي هارفي أوزوالد، الذي اغتيل بدوره بعد يومين.

إلى الآن لا تزال الكتب تصدر تحت عنوان «مَن قتل كيندي؟». آخر هذه الكتب وأكثرها مبيعا، بقلم بيل أورايلي مقدم البرامج في «فوكس».. اشتريته لدى صدوره في نيويورك قبل عامين ولم أقرأه إلى اليوم. من الممكن قراءته بعد 10 سنين.

كان كيندي شخصية جذابة.. قُتل شابا، والناس لا تقبل التفسيرات الواضحة. يذكّرني ذلك بمدينة البندقية، القائمة منذ مئات السنين، وزارها ملايين البشر، وإلى الآن لا تصدق الناس أن شوارعها من المياه: كيف يمكن ذلك؟ كيف يعيش الناس في عوامة من القصور والمتاحف؟ كيف تمكنت من أن تصبح إحدى أهم المدن في المتوسط؟ لا أعتقد أن ثمة جريمة كُتب عنها، أو مدينة كُتب عنها، بقدر ما كُتب عن اغتيال كيندي وعن سر البندقية وسحرها.

لو جاء شاب مثل بيل كلينتون بعد كيندي، لنسيت الناس سريعا الشاب الصريع، لكن الرجل الذي خلفه كان تكساسيا سمجا تحيط بعمله السياسي الشائعات.. أصر على أن يؤدي اليمين الدستورية على الطائرة التي تحمل جثمان الرئيس القتيل من دالاس إلى واشنطن. سوف نعلم من كتاب رائع صدر عنه هذا العام، أنه أرغم جاكلين كيندي، وثوبها مخضب بالدماء، على الوقوف إلى جانبه في صورة القَسم التذكارية.

نصف قرن الآن.. لا أعتقد أن بلدا تغير كما تغيرت أميركا. صار التاريخ العنصري في التاريخ.. الحرب الباردة، وبرلين كيندي وجدارها، والشيوعية، ونحن لا نزال في الشوارع نهتف.. «بالروح بالدم».