الحزب الوظيفة

TT

في لقاء بين السيد محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني ووزير خارجية عربي، طلب الأخير من الأول أن يبحث معه مجموعة من القضايا التي تهم العرب، بعد التغيير الذي حصل في إيران، للاطلاع على التوجهات الجديدة، وما إذا كان ثمة تغيير لدى الإدارة الإيرانية. رد الوزير باحترام أنه جديد على الدبلوماسية والآن فقط يتحسس دروبه في مزالقها المتعرجة. كان الرد دبلوماسيا ربما من أجل تفويت فرصة النقاش، إلا أن نفس الوزير هو الذي صرح لمحطة الإذاعة والتلفزة البريطانية، أن دور إيران هو إطفاء الحروب الطائفية في المنطقة وأن «على كل الأطراف نسيان خلافاتها حول سوريا من أجل مواجهة الطائفية، لأن النزاع الطائفي هو التهديد الأكبر للسلم العالمي»، كما أشار إلى بعض السنة كونهم يساعدون على ما سماه «ترويج الرعب» وهو الذي يتلمس دربه في دهاليز السياسة، وفي نفس الوقت منوط به التحرك في أكبر ملف وأعقد قضية وهي الملف النووي الإيراني، هذا الذي يتلمس طريقه في دهاليز الدبلوماسية لم ينسَ في سبتمبر (أيلول) الماضي أن يهنئ الطائفة اليهودية بعيدها، ويعترف بخطأ محمود أحمدي نجاد في إنكاره للمحرقة! كما أنه خدم في السلك الإيراني في الأمم المتحدة، وحصل على دكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة دنفر الأميركية!

يقول صديق إيراني آخر، عمل في الإدارة الثورية لفترة، ثم ترك أو تُرك، وهو على جانب من الثقافة، بأن الإيراني يقول شيئا، ويفكر في شيء آخر، ويفعل شيئا ثالثا، أرجو أن لا يكون السيد جواد، من هذا النمط، إن كان المفاوضون الغربيون، لا يعرفون معنى (التقية) فهم بالتأكيد أمام مفاجأة من العيار الثقيل.

إن ربطنا كل ذلك بالحدث الأفدح نهاية الأسبوع الماضي، وهو تفجير مروع كان مقصده السفارة الإيرانية في بيروت، وذهب ضحية ذلك التفجير أناس أبرياء، صدف حظهم العاثر أن يكونوا بقرب المبنى المقصود، إن ربطنا ذلك، فإننا بصدد قمة أخرى من الصراع المذهبي، الذي تغذيه، مع الأسف، الطموحات الإيرانية من وراء ستار، ويد النظام السوري، الذي ما زالت فضيحة (سماحة المملوك) قيد المحاكمة في بيروت!

ليس خافيا على المتابع منذ سنوات طويلة أن الأيدي الإيرانية تختفي خلف الأيدي العربية الموالية لطهران في ارتكاب الآثام، ومنها آثام ما يمكن أن يوضع في خانة الإرهاب، وكان التخفي حاذقا ومبنيا على شيء من الأوهام، بالدفاع عن المستضعفين أو تحقيق الإنصاف لطائفة مستضعفة! قائمة طويلة من التخفي والتنصل استمرت فترة طويلة، حتى لم يعد لها متسع من الاختباء. التدخل الإيراني في سوريا، بشكل مباشر أو عن طريق وكلاء، خاصة حزب الله اللبناني وأيضا أحزاب أخرى لها مسميات مختلفة، جلها من العرب، تم تصنيع قدرتها وتدريب رجالها في إيران، عدا التمويل والدعم السياسي. هذه الجماعات لها دور تؤديه لتحقيق الأهداف الإيرانية السياسية، وتظهر طهران أمام العالم، أو لمن يريد أن يغمض عينيه، بأن لا ناقة لها ولا جمل فيما يدور، بل هي ضد انتشار حروب الهوية!

أمامنا في الكتابات الغربية تبرير آخر، قد لا يكون منسجما مع الواقع لكنه موجود، يقول ذاك التحليل بأن إيران تخسر نفوذها في كل من العراق وسوريا، وحتى، تقول تلك المحاججة، لو انتصر نظام سوريا في حربه المشتعلة ضد شعبه بمؤازرة طهران، فإنه لا يستطيع أن يحكم شعب أوغل في سفك دمائه، وتشير تلك الدراسات، أن نفوذ إيران في العراق ينحسر، بعد أن تبين لكثيرين في بغداد مدى الضرر الذي يجنيه العراق من تلك العلاقة، ثم تكمل المحاججة، بأن إيران الآن تجنح إلى السلم وكبح جماح تصدير الثورة، وتلجأ إلى اتفاق مع الغرب والولايات المتحدة على وجه الخصوص، في تغيير جذري للاتجاه، لأنها في موقف الخسارة لا الربح، هذا ما يروج له في بعض الكتابات ربما لتبرير الوفاق المحتمل مع واشنطن!

يؤيد هذا التوجه كاتب مستقبلي مثل جورج فردمان في كتابه الذي صدر قبل عام بعنوان «العشرية المقبلة: إمبراطوريات وجمهوريات في عالم متغير». يقول «إن الولايات المتحدة وإيران سوف تتحركان باتجاه تحالف استراتيجي» وهو ما نشاهد بدايته اليوم، بصرف النظر عن الشعارات المختلفة، وقد صدر الكتاب في مطلع عام 2012.

سواء كانت إيران منتصرة أو متراجعة في المنطقة العربية، فإن ما يؤسف له أن أحزابا عربية وجماعات اكتفت بأن يكون لها وظيفة، تخرج عن الدور الوطني الذي تقام له الأحزاب عادة، وهو استكمال مقومات المواطنة وخوض غمار العمل السياسي من أجل ذاك الدور الذي يسعى إلى العناية والاستمرار في تقديم مصالح جمهورها وتحقيق طموحاته الإنسانية، إلى دور الارتزاق وتمزيق ليس نسيج الوطن فقط، بل ونسيج الأمة.

لأول مرة تشهد منطقتنا (عمالة حزبية وظيفية) سافرة لأحزاب تحقق مصالح دولة (أجنبية) وتشاهر بها أيضا، السيد حسن نصر الله يقول في تصريح رسمي بأن حزبه الموالي لطهران أنقذ نظام الأسد من السقوط! وهو تساكن مخيف مع المستبد، كما أنه خطاب انتصاري مضلل، لأن المعركة ما زالت قائمة، بدليل أنه يؤكد إن كان ثمة ضرورة لشخصه أن يخوض المعارك في سوريا فسوف يفعل!

إنها وظيفة جديدة بأن يستخدم الحزب هناك للدفاع عن نظام يقتل شعبه، فإنه يمكن أو غيره على شاكلته، أن يستخدم لأغراض أخرى، تنفذ أهداف السياسة الإيرانية. على ضوء ذلك يمكن لنا أن نقرأ محاولة الهجوم على السفارة الإيرانية في بيروت، التي لا بد أن توظف في السياق العام من الحزب وغيره، إلى تحالف غربي إيراني لمواجهة (الإرهاب) المتمثل في تلك الهجمات على مقار تبدو في الظاهر أنها مسالمة! إذا كان هناك طائفيون بلا عقل، علينا أن نبحث بجد عن عقلاء لا طائفة لهم! تلك هي ساحة المعركة السياسية والإعلامية التي وجب أن تخاض.

آخر الكلام:

تواجه المعارضة السورية أشرس هجوم إعلامي لم تواجهه حركة تحرر من قبل، وهو قلب مطالب الشعب السوري في الانعتاق والتحرر من سلطة غاشمة كريهة وفاشية، إلى دمغ حركته بـ«جماعات إرهابية». إنها إحدى مآسي التاريخ الحديث، إلا أنني على يقين أن الحقيقة سوف تظهر!