الانفجار العمالي بين سكان الخليج

TT

الحملة التصحيحية التي بدأتها السعودية لتنظيم العمالة والتخلص من المخالفين لأنظمة الإقامة كشفت الغطاء عن مشكلة كبيرة لا تواجهها السعودية فقط بل كل دول الخليج، فهي جميعا تتشارك بكونها مكان مغر للعمل في ظل تعدد الفرص التي توفرها مرحلة التنمية المتسارعة وما تتطلبه من تطوير بنى تحتية ومشاريع وعملاقة تحتاج لكم كبير من الأيدي العاملة. ولكنّ هذا العدد ظل يتزايد حتى وصل - حسب تقرير لـ«كريديت سويز» في عام 2010 - إلى 53% أي أكثر من نصف سكان الخليج. وتأتي قطر في مقدمة دول الخليج من حيث نسبة الأجانب إلى المواطنين حيث بلغت 86%، ثم الإمارات 70%، فالكويت 68.8%، والبحرين 39.1%، وعمان 28.4%، وأخيرا السعودية 27.8%. وكشف مؤخرا موقع اقتصادي أميركي عن أكبر ثماني دول في عدد الأجانب على مستوى العالم بعد تحليله لتقرير إحصائي عالمي للهجرة أصدره قسم الشؤون الاجتماعية والاقتصادية بمنظمة الأمم المتحدة، وجاءت السعودية رابعة من حيث عدد الأجانب بعدد وصل 9.1 مليون، ويسبقها في المراكز الثلاثة الأولى على التوالي أميركا وروسيا وألمانيا، وجاءت الإمارات في المركز الخامس بعدد وصل إلى 7.8 مليون. ويتلوهما بريطانيا ففرنسا ثم كندا. ويذكر الموقع أن عدد الأجانب في الإمارات زاد أكثر من الضعف خلال ثلاث سنوات ما بين 2010 و2013. وعطفا على أعداد السكان في هذه الدول الثماني فإن دول الخليج ستكون الأولى من بينها عند مقارنة نسبة الأجانب إلى المواطنين.

القصد من استعراض هذه الأرقام هو الإشارة إلى حجم المشكلة التي قد تواجه دول الخليج في السنوات المقبلة حين تجد نفسها أمام تركيبة ديموغرافية فرضت نفسها مع السنوات لتصبح الأصل بدل أن تكون طارئة تنتهي بانتهاء الحاجة إليها. وكلما تأخر الوقت في معالجتها زادت تكلفة وخسائر علاجها. وما حدث في السعودية من شغب أحدثه بعض أفراد إحدى الجاليات بعد يأسهم من استكمال إقامتهم غير النظامية وما لمسوه من جدية الدولة في تطبيق التصحيح للعمالة دليل على تكلفة هذا التأخير، فرغم أن التعامل كان مع جزئية واحدة من العمالة هي العمالة غير النظامية التي تتم محاربتها في جميع الدول، وعلى الرغم من أن الدولة منحت مهلا لتصحيح الأوضاع فإنه تبين أنها أكثر تعقيدا من أن تتصحح في شهور. وتأثر سوق القوى العاملة فارتفعت أسعار الأيدي العاملة النظامية بعد أن قل المعروض وزاد الطلب، وأقفلت بعض المحلات والمؤسسات بسبب اعتمادها الكامل فيما سبق على عمالة غير نظامية.

هذه الخطوات الحازمة تصلح أن تكون انطلاقة لخفض هذا العدد الهائل من الأجانب، فخلال ثلاثة أيام فقط قبض على أكثر من عشرين ألف مخالف والعدد في ازدياد. وإذا ما استمرت الحملة بهذا الزخم والقوة فسوف يستقر الأمر على وجود عمالة نظامية فقط خاضعة لشروط الإقامة وأنظمة البلد، وستنتهي معها المشكلات الأمنية والجرائم التي كان وراءها مقيمون غير نظاميين لم يجدوا سبيلا إلى جمع المال سوى السلب والنهب. لكن التنظيم الجيد لسوق الموارد البشرية يتطلب أيضا التخطيط الجيد للاستيراد بما يتناسب مع الحاجة الفعلية للسوق، وتطبيق أنظمة الاستقدام بحزم، والعقاب الرادع لمخالفي أنظمة الإقامة ومن يتعاون معهم من الشركات والمواطنين. وتنظيم العمالة ليس فقط في استبعاد الفائض منها، بل في ضمان بيئة عمل جيدة لكل عامل عبر تجريم كل من يسيء إليهم وإلى سمعة البلاد في مجال حقوق الإنسان عندما يستخدمهم بأجور متدنية، وغير منتظمة، ويدفعهم إلى العمل في ظروف غير إنسانية لا تراعي المعايير الدولية ولا تحقق اشتراطات الصحة والسلامة المهنية.