فكاهات الشبعان وفكاهات الجوعان

TT

يدور الكثير من طرائف الغربيين حول المأكولات والمشروبات والولائم. المعتاد عندنا أن تختتم الوليمة بخطبة سياسية يتخللها التصفيق والهتاف. يشمئز الغربيون من ذلك، ويفضلون الخطب الفكاهية التي تتخللها عواصف من الضحك والقهقهة. فمن الثابت علميا أن الضحك يسهل الهضم ويخفض الضغط والكولسترول، على عكس الخطب السياسية التي تشنج المعدة وتزيد الضغط. وهكذا قال تاليران، السياسي الفرنسي الظريف: «العشاء أطيب الأوقات في الحياة لا سيما أنه يتكرر كل يوم». ومن أروع طرائفه حكايته مع المارشال فوش، عندما قدم له قدحا من الكونياك فشربه في جرعة واحدة، فراح يؤنبه على سوء فعله بكلمات تعتبر من أدبيات الولائم، طالما يستشهد بها.

هكذا شاعت بين الغربيين خطب ما بعد العشاء (After Dinner Speeches) حتى تحولت إلى مهنة يعيش عليها كثير من الظرفاء بإلقاء كلمات مؤنسة ومضحكة، يتقاضون عنها أحيانا ألوف الباوندات، ويدفع الجمهور مئات الباوندات لحجز كرسي حول تلك المائدة. كان منهم جورج بست، بطل كرة القدم. تقاضى يوما خمسة آلاف باوند عن خطبة واحدة من خمس دقائق بعد العشاء روى فيها طرائف مضحكة من مباريات الكرة!

في إحدى هذه الولائم التقى برنارد شو بالكاتب شسترتون. كان شو نباتيا ونحيف القامة في حين كان شسترتون بدينا مفرطا في السمنة. بادر برنارد شو قائلا له: «مستر شو، من يراك يرى مجاعة العالم مجسمة أمامه». فأجابه شو، وهو يشير إلى كرش زميله: «ومن يراك يرى سبب المجاعة!».

هناك مجموعات كثيرة من خطب ما بعد العشاء بالنظر لما تحتويه من الطرائف، منها مجموعة من جزءين نشرتها مؤسسة «أوكسفام» البريطانية. مهمة هذه المؤسسة الخيرية جمع التبرعات والأكل الفائض من الشبعانين في بريطانيا، لتوزيعها على الجوعانين في العالم الثالث. فنحن اليوم نواجه هذا المفترق. يعاني أهل العالم الثالث من الجوع ويموت الكثيرون منهم جوعا، في حين يعاني الغربيون من التخمة ويموت الكثيرون منهم بالسمنة. كان مما ورد من طرائف ذلك ما رواه الدبلوماسي البريطاني السير جورج ميدلتون في إحدى خطبه بعد العشاء. روى حكاية تعكس هذا البطر في الغرب فقال: «سمعت رجلا يتكلم عن حبه لبساطة العيش والقليل من الزاد، فقال: أنا لا أصبو للكثير. تكفيني من الحياة قنينة نبيذ وقطعة ساندويتش وعلبة كعك وكلب».

- «ولماذا الكلب؟».

- «لأعطيه كل ما سيفيض من الكعك ليأكله ويخلصني منه!».

العلماء في الغرب منهمكون اليوم في شتى التجارب للسيطرة على النهم والسمنة والوزن. كان من ذلك ما رواه أحد العلماء في خطبة ما بعد العشاء. قال: «جئنا بفأر صغير ووضعناه في قفص بحيث يحصل على طعامه سائلا من حنفية بعد أن يكبس زرا معينا كلما جاع. وجئنا بفأر آخر أكثر خبرة ليعلم الفأر الصغير. استبشر العلماء عندما سمعوا الجرس يدق باستمرار. هرعوا إلى القفص فرأوا الفأر الخبير واضعا فمه على الحنفية يلتهم منها كل ما يقطر، في حين ظل الفأر الصغير الجائع يكبس ويكبس على الزر».

هذا ما كان من أمر فكاهات الشبعانين. وفي مقالتي القادمة سأتناول فكاهات الجوعانين.