حوار الحضارات والمرأة والإسلام

TT

عندما طرح صمويل هنتنغتون نظريته الشهيرة - والغامضة أيضا - حول «صدام الحضارات» في كتابه «the clash of civilizations and the remarking of world ordrer» الصادر عام 1996، ومع بروز نوع من «حرب صليبية» شكلت نموذجا لما بعد الحرب الباردة، تميز مطلع الألفية الثانية بالكثير من المبادرات الهادفة إلى تفعيل حوار الحضارات.

تعود بي الذاكرة إلى مشاركتي في قمة الفرنكوفونية في بيروت، في أكتوبر (تشرين الأول) 2002. وقد تمحورت هذه القمة حول موضوع حوار الثقافات. يومذاك، أصدرت كتابا حول الفرنكوفونية وحوار الثقافات مع استشهادات لشخصيات كثيرة من العالم السياسي والثقافي. وكان هذا الموضوع محط آمال واسعة مشتركة بين الدول الأعضاء في المنظمة العالمية للفرنكوفونية وما وراءها.

وفي نفس الفترة، أعلن عام 2001 عام الأمم المتحدة لحوار الحضارات، حيث دعيت فيه جميع منظمات الأمم المتحدة، وخاصة منظمة اليونيسكو، إلى تطوير وتنفيذ المشاريع الهادفة إلى إرساء الحوار. يومئذ، صرح لنا مدير عام اليونيسكو بأن ذلك سيكون في أولوية اهتمامات منظمته.

بعد ذلك، أي في 25 سبتمبر (أيلول) 2006، صرح البابا بنديكتوس السادس عشر أمام سفراء الدول الإسلامية بما يلي: «لا ينبغي أن يتقلص الحوار بين الأديان والثقافات وبين المسيحيين والمسلمين إلى مجرد خيار عابر. إنه في الواقع ضرورة حياتية، يرتبط به جزء كبير من حياتنا المستقبلية».

وفي السادس من نوفمبر (تشرين الثاني) 2007، وإثر لقائه التاريخي مع بابا الفاتيكان، صرح خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، بقوله: «إنه ليس زمن صراع الأديان فيما بينها، بل زمن نضالها معا ضد تراجع القيم الأخلاقية والروحية، ضد المادية، وضد الإمعان في النزعة الفردية».

وفي مارس (آذار) 2009، نظم مرصد الدراسات الجيوسياسية الذي أفخر بأن أكون رئيسته المنتدبة، ندوة سعودية - فرنسية من أجل الحوار بين الحضارات، في الرياض، سعيا لتحقيق هذا الهدف.

من النافل القول إن الحوار بين الحضارات لا يمكن أن يخطو إلا بشرط وجود معرفة أفضل فيما بينها. ولا يمكن أن يقوم أي حوار من دون تفاهم وتسامح. فالتفاهم يفضي بطبيعة الحال إلى المعرفة.

الحوار إذن يشجع على التعارف بين الثقافات المختلفة. فمن الضروري تعميق التعرف على الحضارات الأخرى، على تاريخها وقيمها. بفضل هذه المعرفة يمكن أن يتسع نطاق التواصل بين المؤسسات والجمعيات والأفراد.

وخلال الفترة 14 - 16 يونيو (حزيران) 2005، وتحت رعاية العاهل المغربي الملك محمد السادس، أقيم في الرباط أحد أهم المؤتمرات الدولية حول «تشجيع الحوار بين الحضارات والثقافات عبر مبادرات جدية ومدعومة».

خلال هذا المؤتمر الذي شارك في تنظيمه كل من منظمة اليونيسكو، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم، والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وبمشاركة المجلس الأوروبي بصفة مراقب، تقرر تحديد المراحل الواقعية والعملية في عدد من المجالات المرتكزة على الحوار بين الحضارات والثقافات والشعوب.

وشدد المؤتمر على أهمية التربية. وقد أطلق البيان الختامي مبادرات واقعية ومستدامة لتشجيع الحوار بين الثقافات والحضارات. وأكد نص البيان على «التربية في خدمة الحوار والتفاهم الثقافي البيني».

والحال هذه، توجد ثغرات واسعة في معرفة ثقافاتنا المتبادَلة. وإذا أخذنا الإسلام على سبيل المثال، فلا بد من التأكد أن أي شيء يقال عنه. فغالبا ما تروّج وسائل الإعلام الغربية عنه صورا مشوهة ورؤى تعصبية وجزئية للغاية.

ولدت في لبنان، الذي كان مثالا للانفتاح والتعايش بين الأديان. وأعيش حاليا في بلد آخر هو فرنسا. ويذهلني كم تتراجع صورة الإسلام في السنوات الأخيرة، خاصة فيما يتعلق بالمرأة.

بالنسبة للمرأة والإسلام، يمكن أن يقال أي شيء تقريبا. فمن الواضح أنه لا يمكن التفلت من الصور الكاريكاتيرية والأحكام السلبية، في غياب السعي إلى المعرفة وبالتالي الفهم. من هنا تتنامى الأوهام وتتعمق الفجوة بين الشعوب مما يهيئ لصدام الحضارات. ثمة أمران يشكلان حجر عثرة؛ الأول سوء الطوية والصور الكاريكاتيرية المتعلقة برهاب الإسلام (إسلاموفوبيا) من قبل جميع الذين يعملون على تشويه صورة الإسلام.

من جهة أخرى، هناك جماعات متطرفة وضالة تقدم عن الإسلام صورة مشوهة، بل تقوم في بعض البلدان بممارسات غير موثوقة، والإسلام براء من ذلك. لا يمكننا منع المتطرفين من إطلاق التفاهات، كما لا يمكن المقارنة بين عبء العادات المحلية ورسالة الإسلام.

أعتقد أنه من الضروري اليوم وضع الأمور في نصابها.

وإذا كان من الثابت أن وضع المرأة في بعض البلدان الإسلامية - خاصة في بعض الطبقات الشعبية - مأساويا، فمن الخطأ عزو مسؤولية هذا الوضع إلى الإسلام. من الضروري إذن فهم الإسلام والمجتمعات المسلمة التي تمثل أكثر من مليار ونصف المليار رجل وامرأة بصورة أفضل، والعمل بالتالي على عدم الخلط بين الإسلام وتشدد البعض وانحرافهم. يجب التذكير بأن الإسلام يطرح مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة ويسعى إلى تطوير وضع المرأة.

* صحافية فرنسية من أصل لبناني متخصصة بالقضايا

الثقافية وبحوار الحضارات