أنغولا.. والكيماوي!

TT

خبر صادم ومؤلم تناقلته وكالات الأنباء العالمية، واحتل حيزا لا بأس به من الصحف والأخبار، ومضمونه المهم هو أن دولة أنغولا الأفريقية قررت، وبشكل فوري وعاجل، «حظر» ومنع ممارسة الدعوة إلى الديانة الإسلامية، وإضافة إلى ذلك تجري إزالة المساجد فورا بالقوة الجبرية وهدمها.

وجاء تصريح إضافي آخر في هذا الاتجاه العجيب من قبل وزيرة في الحكومة الأنغولية، وهي روزا كروز ديسلفا وزيرة الثقافة، وهي تقول: إن الإسلام في أنغولا لم يحصل على الإجازة ولا الاعتماد من قبل وزارة العدل وحقوق الإنسان بشكل رسمي. وبالتالي سيجري إغلاق كل المساجد في البلاد إلى أجل آخر، وقالت الوزيرة تعليقها وتصريحها هذا خلال مؤتمر رسمي عام، وأضافت أن هذا الإجراء ما هو إلا إجراء للقضاء على الأديان والطوائف غير المعلنة، وغير المقررة، وغير الرسمية، وأضافت أننا حظرنا الإسلام كما حظرنا 194 جماعة دينية أخرى، لعدم اعترافنا بهم أيضا، ووضعناهم كأسماء في قائمة معلنة، وبالتالي جرى منع مزاولتهم للعبادات، لأنهم محظورون.

ولم تكتفِ السلطات الأنغولية بهذا التصريح، ولكن كان هناك تصريح آخر لا يقل أهمية على لسان رئيسها، في حديث مع صحيفة نيجيرية كبرى، حيث قال فيها الرئيس جوسيه إدواردو دوسنتوس: «هذه هي خاتمة ونهاية التأثير الإسلامي على بلادنا».

وبالإضافة إلى هذه التصريحات المفزعة والعدائية، كان هنا أحداث على أرض الواقع أيضا؛ فقد صرحت صحيفة «لانوفيل تريبيون» بأنه في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، جرى تحطيم منارة أحد المساجد، وبلدية زانجو قامت بإجراء أشد عنفا، وذلك بهدم المسجد الوحيد في المدينة، وكذلك الأمر بالنسبة للحكومة الإقليمية لواندا التي صرح حاكمها بينتو بينتو على الهواء مباشرة، في مقابلة على إحدى محطات الراديو هناك، بأن المسلمين غير مرحب بهم وغير مرغوبين في أنغولا، وأن الحكومة والبلديات المحلية لن ترخص لأي مسجد في كل البلاد.

المسلمون في أنغولا أقلية بسيطة في بلد تعداد سكانه بالكاد يتجاوز الـ20 مليون نسمة، وكان مستعمرة برتغالية، و47 في المائة من سكانه يتعبّدون بأديان أفريقية، و38 في المائة يتعبدون بالديانة المسيحية، وتحديدا المذهب الكاثوليكي، و15 في المائة هم من البروتستانت المسيحيين.

بغضّ النظر عن فداحة الخبر وأهميته والتوضيح الذي تلا ذلك من ناطق دبلوماسي من أنغولا، بأن الحكومة لا تتطرف ضد دين بعينه، وليست انتقائية، وأنها تعتقد بحرية الممارسة الدينية والعقائدية للجميع، فإن هناك ضررا قد وقع، والسبب الرئيس لهذا الضرر هو ممارسات بعض المسلمين والجماعات والتنظيمات التي تقتل وتروّع باسم الدين الإسلامي؛ جماعات، مثل «القاعدة» والجهاد والحوثيين وحزب الله وكتائب القدس وكتائب أبو الفضل العباس والجماعات الإسلامية والجهادية السلفية وغيرها من الشخصيات والأسماء الكارثية التي تجد لها سوقا ورواجا هائلين، لأن «الأرضية»، مع شديد الأسف، لا تزال خصبة، لأن التراث لم تجرِ تنقيته من الغث والسموم كما ينبغي، وكما هو مطلوب.

ذلك أن الخطوة المؤلمة، ولكن الفعالة والمطلوبة، لم يجرِ الإقدام عليها بشكل كافٍ وجريء تماما، كما فعل الألمان مع النازية بعد الحرب العالمية الثانية، في مواجهتهم مع النازية، قرروا مواجهتها بكل الطرق، وتنقية وتنقيح كل الإرث الألماني من كل ما له علاقة بالنازية، سواء أكان ذلك في الأدب أو الرواية أو الفلسفة أو الشعر أو السياسة أو الاقتصاد أو الرياضة، حتى في الموسيقى، جرى حظر مؤلفات الموسيقار الفذ «فاغنز»، لأنه كان ملهما لأفكار الفوهرر أدولف هتلر نفسه الزعيم النازي. تعاملت ألمانيا مع النازية كأنها سرطان خبيث يجب حرقه بالمحاليل الكيماوية، وبعدها جراحة كبيرة لاستئصال ما تبقى منها من الجذور نفسها. علاج حقيقي وليس «طبطبة» على الخفيف ومجاملات شكلية.

التراث الإسلامي مليء باجتهادات «بشرية»، وليست «مقدسة»، بشرية أعطيت مكانة التقديس وبات الاقتراب منها لنقدها ومراجعتها أشبه بمن يخرج عن الملة والعقيدة، ومُنحت ألقاب لبعض الشخصيات لتعطيها مكانة مميزة تجعل مجرد النظر في بعض الآراء هي خروج عن الدين كله، بينما، في واقع الأمر، فإن بعض هذه الآراء أشبه بقنبلة موقوتة، متى ما انفجرت تصيب شظاياها المجتمع كله، ويكون الضرر بالغا وعظيما.

لا يزال أمام العالم الإسلامي شوط كبير من المراجعات والتنقية والتنقيح، لإخراج الغث الذي سمم رسالته العظيمة وأساء إليها.