الصفقة الأميركية ـ الإيرانية.. أسئلة الفزع!

TT

سيل عرم من التعليقات على نتائج المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، أغلبها جاء في سياق الحذر والخوف من تحولات ضخمة في المنطقة تمس دول الخليج الحليف الأبرز، إلا أن هذه المخاوف هي قراءات تبدو «رغبوية» من قبل «تجار شنط» السياسة الذين يحاولون تضخيم ما حصل بعده تحولا ناجزا بينما هو مرتبط بتحسن السلوك الإيراني، وهو الأمر الذي تفسره القراءة الرسمية للحدث، من خلال ما صدر عن مجلس الوزراء الذي تمحور حول «قد» تعطي السعودية الفرصة وتبدي القلق في الوقت ذاته.

أعتقد أن الزاوية المهمة التي يمكن قراءة ما حدث من خلالها، هي زاوية «الاقتصاد السياسي» من كلا الطرفين مع أفضلية للجانب الإيراني الذي يحاول تحديد هدفه برفع العقوبات الاقتصادية عن كاهله، التي إن استمرت - رغم تماسك الدولة في سياستها الخارجية وتصلبها - ستؤدي حتما إلى تصدعات داخلية عميقة في بنية المجتمع الذي يمر منذ ربيعه غير المنجز بسلسلة من التحولات البنيوية.

التحسن الاقتصادي، المبني على رفع العقوبات، مبني على ركيزة أساسية وهي التراجع في الاندفاع نحو امتلاك السلاح النووي، وهو ما يعني أن إيران اشترت الاستقرار الداخلي بتسويف برنامجها النووي إلى أجل؛ وهو ما ينعكس سريعا على الاقتصاد الإيراني في حال ارتفعت العملة الوطنية ورفع الحظر عن التعامل مع البنك الإيراني المركزي؛ وهي أهداف كان الناخبون يعلمون أن اختيار شخص روحاني هو بهدف رفع العقوبات وتحسين الاقتصاد وأولوية الداخل، وذلك كله عبر بوابة السياسة الناعمة التي تفضي إلى إعادة انتعاش الاقتصاد، المعتمد بصورة أساسية على تصدير النفط الذي يشكل 90 في المائة، ومن ثم فإن رفع العقوبات سيساهم في تحسين الصناعة النفطية في إيران بشكل عام.

ما يزيد على ثلاثة مليارات دولار أصولا إيرانية مجمدة سيجري الإفراج عنها. ويتوقع المحللون الاقتصاديون أن تصدر إيران ما قيمته سبعة مليارات دولار خلال الفترة الاختبارية للسلوك الإيراني، وهو بلا شك رقم سينعكس على الداخل في حال استطاع الرئيس الإيراني حسن روحاني إسكات أجنحة الصقور التي لا ترى فيما حدث إلا انتصارا رمزيا على «الشيطان الأكبر».

الأكيد، أن الصفقة ليست ناجزة، وأوباما وإدارته يسيران معزولين عن ثلاثة سياقات مهمة: سياق داخلي متمثل في تجاوز الكونغرس، وسياق أوروبي رأيناه في إفشال محاولات وزير الخارجية الفرنسي إعاقة الاندفاع الأميركي تجاه طهران.

السياق الثالث، وهو الأهم، أن خطوة الولايات المتحدة المنفردة أسست لرؤية جديدة في الخليج، بدأت تتبلور، حول طبيعة التحالفات التاريخية التي تشكلت منذ الحرب الباردة، وأن ما يحدث الآن، وهو سياق جديد، بحاجة إلى رؤية تستلهم طبيعة المستجدات على الأرض، لا سيما أن العلاقة الأميركية - الإيرانية لا يمكن أن تكون ثنائية في ظل ارتباط كل طرف بحزمة هائلة من التدخلات في قضايا سياسية متشابكة؛ التحالف الإقليمي، ملف سوريا، التمدد الإيراني، وأيضا الخروج الكبير الأميركي من قواعده في العراق وأفغانستان.. إلخ، وهو ما يؤكد أن صفقة اقتصادية ذات بعد سياسي يجب أن تقلقنا جدا، لكنها لا تستدعي كل هذا الفزع!

[email protected]