تصدير البيروقراطية

TT

شرح لي صديق مقيم في دبي شعوره وهو يرى سيارة «ميني فان» تحت الطلب تأتي إلى مقر وجوده لتساعده في إنجاز معاملته الحكومية! كان كل ما عليه أن يدخل إلى السيارة ويطلب من الموظف الشامل المعاملة المطلوب إنجازها. وشوهدت هذه الخدمة التي أطلق عليها اسم «آمر» في المراكز التجارية والأسواق لتساعد الناس على إنجاز معاملاتهم المطلوبة. ليس هذا فحسب، فقد أعلنت الإمارة عن تحولها من فكرة الحكومة الإلكترونية (مواقع الإنترنت) إلى مشروع «الحكومة الذكية» المعتمدة على إنجاز أكبر قدر من المعاملات عبر الهواتف الذكية.

وفي البحرين أذكر أنني أسست مع رجال أعمال خليجيين شركة مساهمة عامة في مركز المستثمرين في أشهر مول تجاري، حيث توافرت كل الخدمات المريحة من حولنا عبر كاونترات فيها ممثل لكل وزارة يعملون رهن إشارتك. كل هذه بعض من المشاريع العربية التي تحاول تجاوز ترهل الأجهزة الحكومية التي صدرت إليها البيروقراطية، منذ عقود بعيدة. فالبيروقراطية في الأصل كان غرضها نبيلا، إذ كان يطلق اسمها على «سلطة موظفي المكاتب» والتزامهم بالإجراءات الموجهة إليهم بحذافيرها بهدف إتقان العمل على غرار القوات المسلحة والمستشفيات والمحاكم وغيرها. غير أن هذا المفهوم تحول في العصر الحديث إلى صورة سلبية نصف فيها أسوأ أو أبطأ خدمة يمكن أن تقدم إلينا.

وقد سررت حينما قرأت أن تقرير البنك الدولي لعام 2014 يؤكد أن الإمارات تأتي في المرتبة العربية الأولى في نسبة ممارسة الأعمال، تليها السعودية ثم البحرين، بينما جاء ترتيبهم عالميا على التوالي 23، 26، 46. ويراعي هذا التقرير مؤشرات، منها الحصول على رخص بناء، كهرباء، تسجيل ملكية، حماية مستثمرين، دفع ضرائب، مدى تطبيق العقود، وغيرها.

ومن باب الإنصاف، فإن الدول العربية ليست وحدها من يعاني من مرض البيروقراطية، فهي مرض عضال لم تسلم منه حتى الدول الغربية. لأن النظام الإداري بطبيعته يحتاج دوما إلى إعادة نظر من قبل القياديين حتى على صعيد المؤسسة التجارية الصغيرة والإدارة. فالبيروقراطية أشبه بالوباء الذي ينتقل من إدارة إلى أخرى ومن مؤسسة إلى أخرى. ولسوء الحظ أيضا فإن البيروقراطية يمكن أن تصدر إلينا من دول أخرى مثلما حدث في عدد من البلدان العربية التي جلبت خبراء عربا، ورثوا البيروقراطية عن الغربيين الذين تخلوا عنها، وذلك ليضعوا لنا نظاما داخليا عربيا ثم بدأنا نقدسه ولا نمسه حتى غرقنا في وحل من الخدمات المطولة والرديئة. والمشكلة أن الفساد يعشش في أجواء البيروقراطية. وكلما رأيت شخصا يحارب أي محاولة لتغيير هذا الواقع المرير فاعلم أن لديه منفعة ما تمنعه.

ولذا فإن قرار نسف النظام الإداري وتسريع إجراءات العمل وتقليص الدورة المستندية يجب أن يأتي من أعلى قيادة في الهرم الإداري أو رأس الدولة، بالاستعانة بأمهر المستشارين وفق خطة زمنية واقعية. شريطة أن يعاد النظر في إجراءات العمل دوريا حتى نضمن أن لا تصدر إلينا البيروقراطية مرة أخرى.

[email protected]