عدم الثقة بـ«أوباما» وعدم الاطمئنان لألاعيب إيران!

TT

لو لم تطلق اتفاقية تدمير الأسلحة الكيماوية يد الرئيس السوري بشار الأسد وتفتح له المجال واسعا للاستمرار في ذبح الذين من المفترض أنهم أبناء شعبه والاستمرار بإبادتهم، لما كانت كل هذه التوجسات وكل هذه التخوفات، ومعظمها عربية، تجاه اتفاقية الأشهر الستة، المتعلقة بالبرامج النووية الإيرانية، التي جرى توقيعها في ساعة متأخرة من مساء يوم السبت الماضي بين دول الـ«5+1» وبين إيران والتي أثارت زوبعة سياسية هائلة حتى في الكونغرس الأميركي.

لقد ثبت أن اتفاقية تدمير الأسلحة الكيماوية السورية جاءت بمثابة مؤامرة على الشعب السوري وعلى المعارضة المسلحة وغير المسلحة التي اعترف العالم بأكثرية دوله بأنها الممثل «الشرعي» لهذا الشعب، فهي ركزت على التخلص من هذه الأسلحة وتركت المجال مفتوحا لنظام بشار الأسد ولحراس الثورة الإيرانيين وللزمر الطائفية وأولها «فيلق أبو الفضل العباس» العراقي وميليشيات حزب الله اللبناني لمواصلة حرب الإبادة الجماعية التي بقي هذا النظام يواصلها ضد شعب من المفترض أنه شعبه لنحو عامين ونصف وأكثر.

هناك مثل عربي متداول يقول: «إن لديغ الأفعى يخشى جرة الحبل» والحقيقة أن اتفاقية التخلص من الأسلحة الكيماوية التي ترتب على توقيعها وعلى المباشرة بتنفيذها تمادي النظام في ارتكاب المذابح المفزعة ضد الشعب السوري وأيضا تماديه في تدمير المدن والقرى السورية بالصواريخ والمدافع وبالطائرات التي كان الغرب، وفي مقدمته الولايات المتحدة، قد اعتبر أن استخدامها يشكل خطا أحمر يؤدي تجاوزه إلى التدخل العسكري المباشر لإنقاذ شعب بات ضحية لنظام ديكتاتوري ظالم وقاتل وللحؤول دون استكمال تدمير بلد تجاوزت تقديرات تكاليف إعادة بناء ما دُمر منه مائة وستين مليارا من الدولارات.

ولهذا فإنه مع العرب ومع المعارضة السورية ومع الشعب السوري كل الحق في أن ينظروا إلى اتفاقية جنيف الأخيرة بعيون الشك والريبة وبأنها قد تطلق يد إيران في منطقة الخليج العربي وفي الشرق الأوسط كله لتواصل تدخلاتها العسكرية والسياسية والأمنية في الشؤون الداخلية لسوريا والعراق ولبنان واليمن ولتستكمل مشروعها التوسعي الإمبراطوري الذي لم يعد خافيا إلا على من يتجنب رؤية الحقائق وإلا على أعمى البصر والبصيرة.

والمشكلة هنا أن الثقة بالرئيس الأميركي باراك أوباما وبوعوده و«تطميناته» غدت مفقودة نهائيا بعدما سمع العرب في خطابه الشهير في مدرج جامعة القاهرة وعودا وردية بالنسبة لحل القضية الفلسطينية ما لبثت أن تبخرت كلها ولم يبق منها أي شيء وثبت أن كلام الليل بالنسبة لهذا الرجل الأبانوسي، الذي صفقنا لمجيئه رئيسا لأهم وأكبر دولة في الكرة الأرضية حتى التهبت واحمرت أكفنا، يمحوه النهار، وهذا قد حصل بالنسبة للأزمة السورية، حيث رأى الشعب السوري من هذه الإدارة الأميركية «جعجعة» عالية الوتيرة وشديدة الضجيج والصخب لكنه في النهاية لم ير طحنا على الإطلاق ولم يرَ إلا انكفاء وتسليم مقاليد هذه القضية الدولية التي ستترتب على نتائجها معادلات كونية كثيرة وخطيرة وجديدة، إلى فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف.

لقد كانت للعرب مع باراك أوباما وإدارته تجارب مرة بالفعل ولهذا فإنه من «السذاجة» الركون إلى التصريحات التي أطلقها بعد هذا الاتفاق الذي يعاني من ألف ثغرة وثغرة والتي تحدث فيها عن أنه لن يسمح لإيران بإنتاج الأسلحة النووية حتى لو اضطر لاستخدام القوة العسكرية، فمثل هذا الكلام كان قد قاله رئيس الولايات المتحدة أكثر من مرة ثم وعندما يتخذ الكونغرس الأميركي هذا الموقف الذي اتخذه فإنه من قبيل تحصيل الحاصل أن يضع أهل هذه المنطقة العربية أيديهم على قلوبهم وأن يخشوا من أن يكون اتفاق جنيف إحدى ألاعيب الدول خاصة أن المعروف «أننا» قد ذقنا الأمرين من ألاعيب الأمم ودفعنا أثمانا باهظة نتيجة المؤامرات الدولية علينا وعلى بلداننا وعلى «الوحدة» التي بقينا نحلم بها منذ أجيال سابقة ومنذ حقبات زمنية قديمة بعيدة.

ولعل ما يعزز مخاوف الذين يخشون من انعكاسات خطيرة لهذا الاتفاق أنه لم يتطرق على الإطلاق لاستباحة إيران للكثير من الدول العربية إلا في بنده الذي جاء فيه، حسب موقع جريدة «النهار» اللبنانية الإلكتروني: «.. تستمر أيضا جميع العقوبات الأميركية المتخذة في شأن إيران التي هي على علاقة بدعم الإرهاب ولعب دور سلبي في النزاع السوري وسجلها في حقوق الإنسان».. وحقيقة ومع أن المقصود هنا بالإرهاب هو حزب الله فإن هذا الكلام بعد كل هذه التجربة الطويلة مع باراك أوباما لا يؤكد لا الثقة به ولا التعويل عليه.

لقد تضمن هذا الاتفاق أي «اتفاق جنيف» الكثير من البنود والتأكيدات التي تجعله خطوة أولية في غاية الأهمية لكنها بحاجة إلى التطبيق وحسن النوايا من بينها:

* خلال فترة الاتفاق سيتم الاستمرار في تعزيز العقوبات ضد إيران بما فيها اتخاذ إجراءات!! ضد من يلتف أو يتهرب من تنفيذ هذا الاتفاق.

* تستمر العقوبات على البنك المركزي الإيراني وعلى ما لا يقل عن عشرين بنكا ومؤسسة مالية إيرانية.

* تستمر العقوبات على عدة قطاعات من الاقتصاد الإيراني ومن ضمنها الشحن وكذلك برنامجها العسكري، وهذا بالإضافة إلى جميع عقوبات مجلس الأمن.

وبالطبع وكل هذا بالإضافة إلى التزام إيران، حسب هذا الاتفاق، بتعليق عمليات التخصيب التي تتجاوز الـ5 في المائة وهذا يعني تعليق كل عمليات التخصيب وتفكيك كل الأجهزة الفنية التي تتطلبها عمليات التخصيب لما هو فوق حاجز الخمسة في المائة والتزامها أيضا بالسماح ويوميا لمفتشي الوكالة الدولية بالدخول لمنشأتي ناتانز وفوردو وأيضا بعزل ترسانتها من المواد التي تقترب نسبة تخصيبها من العشرين في المائة وبتخفيف شدة تركيز المخصبة ما تحت الـ20 في المائة إلى أقل من خمسة في المائة أو تحويلها إلى شكل غير ملائم لمزيد من التخصيب وكل ذلك قبل نهاية المرحلة الأولى من هذا الاتفاق.

إن هناك بنودا كثيرة تضمنها اتفاق الستة أشهر في غاية الأهمية تجعل ما قاله الرئيس الإيراني حسن روحاني، حول أن هذا الاتفاق نص على أن إيران ستواصل عملية التخصيب كما في السابق، هو مجرد كلام للاستهلاك الداخلي هدفه إيهام الشعب الإيراني وإقناعه بتحقيق انتصارات هي غير صحيحة وهي فارغة والحقيقة استنادا ليس إلى النوايا المبيتة وإنما إلى هذه النصوص المدونة أن تأكيد وزير الخارجية الأميركي جون كيري أن «تخصيب» الدولة الإيرانية بعد ستة أشهر «سيكون صفرا» هو صحيح وأن ما قاله المسؤولون الإيرانيون وما زالوا يقولونه هو من قبيل «رش السكر على الموت»، وهو أيضا من قبيل الخداع الذي اشتهرت به هذه الدولة منذ انتصار ثورتها الخمينية وقبل ذلك وحتى الآن وبالنتيجة فإنه يمكن القول إن المشكلة ليست في هذه النصوص وإنما في أن الثقة بالرئيس باراك أوباما باتت شبه معدومة حتى بالنسبة للكونغرس الأميركي نفسه وهي أنه لا يمكن الاطمئنان إلى هذه الدولة الإيرانية التي اعتادت أن تقول شيئا وتفعل شيئا آخر والتي هي صاحبة «تقيَّة» وتعتبر الأكاذيب والمناورات والألاعيب شطارة دبلوماسية.

وهنا فإنه يبقى أن نؤكد مجددا أنه إذا كانت نوايا «الجارة العزيزة» حسنة وصادقة فإن عليها أن تسحب مقاتليها من مغاوير فيلق القدس ومن ميليشيات حزب الله ومن طائفيي «فيلق أبو الفضل العباس» من سوريا وعلى الفور، وأن تترك العراق لأهله من سنة وشيعة، وأن تكف عن حشر أنفها في شؤون دول الخليج العربي وشؤون اليمن الذي بالإمكان أن يكون سعيدا إن هي تخلت عن «الحوثيين» وعن محاولات استيعاب المذهب الزيدي وإلحاقه بالمذهب الجعفري الاثني عشري تحت الضغط المتواصل وبقوة السلاح وشراء الضمائر!!