الفلسطينيون أيضا بحاجة لترتيب أوضاعهم الداخلية

TT

قبل أيام قليلة، نشرت احدى الصحف البريطانية ان الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات خرج غاضباً من اجتماعه مع وزيرة الخارجية الاميركية مادلين اولبرايت في نيويورك الأسبوع الماضي، وقطع محادثاته معها لأنها كانت تستخدم عبارة «جبل الهيكل» كلما كان المقصود «المسجد الأقصى». وطبقاً للصحيفة البريطانية، فان عرفات لفت نظر اولبرايت الى انها تستخدم التعبير اليهودي للمسجد الأقصى، وهو ما ينفي عنها صفة الوسيط التي تبنتها الولايات المتحدة الأميركية.

وقد كان، وما يزال، مستحيلاً على المفاوض الفلسطيني ان ينتظر موقفاً اميركياً محايداً. ولو كانت واشنطن ملتزمة فعلاً الحياد والايجابية والقناعة الحقيقية بقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وبشعار مؤتمر مدريد (الأرض مقابل السلام) لكان الوضع الان مختلفاً تماماً، فالحياد يعني الوقوف ـ او الجلوس ـ على مسافة واحدة من المفاوض الفلسطيني والمفاوض الاسرائيلي، لا أن يكون الراعي الأميركي مراعياً لمصلحة اسرائيل وليس مصلحة السلام.

والحياد يعني تشجيع الطرفين على اقتراب احدهما من الآخر من ضمن روحية وحرفية القرارات الدولية الشرعية. لكن الأمر لم يكن كذلك لدى الادارة الأميركية، وهو ما أدى الى تشجيع رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك الان على التصريح لنا ـ ومن دون حق ـ ان الكرة اصبحت في ملعب ابو عمار، وان القرار في يد ابو عمار، وان اسرائيل تنتظر هذا القرار، وإلا فانها ستتفرغ لمشاكلها الداخلية وتترك المفاوضات.

الكرة في نظر باراك هي القدس.

وقرار عرفات هو في نظر باراك: التنازل عن القدس! فاذا تنازل عرفات عن القدس، وأبلغ شعبه والعرب المسلمين، انه كان مخطئاً عندما ظن ان القدس عربية فلسطينية.. فان اسرائيل ستنظر بماذا يمكنها ان تمنحه من ارض او مساعدات او سلطات.

لكن، لا بد مرة أخرى، من التأكيد ان الكرة الفلسطينية هي القدس ولن يقذف بها ابو عمار إلا الى قلوب الفلسطينيين والمسلمين والمسيحيين العرب، وسوف يكون من رابع المستحيلات ان يحقق عرفات رغبة اميركا وشهوة اسرائيل حتى لو بقيت القدس رهينة الاحتلال الاسرائيلي واستمر الموقف الأميركي المنحاز الف ألف سنة.

وبما ان الوضع قد بلغ مبتغاه فقد أدركت واشنطن، وخصوصاً مادلين اولبرايت، ان عرفات ليس لقمة يمكن بلعها.

وأدرك باراك، من جديد، ان السلطة الفلسطينية ليست ولن تكون ابداً، مجاله الحيوي لاسترجاع شعبيته، او لحل عقد الذين يبحثون عن الهيكل.

ولذلك، فان أمام السلطة الفلسطينية ان تواجه المفاوض الأميركي ـ الاسرائيلي بالمواقف المنطقية الشرعية التالية:

اولاً: ان تتوقف عن التفاوض، فليس ايهود باراك وحده اصبح متعباً من التفاوض غير المجدي، فالفلسطينيون ايضاً تعبوا من المماطلة والعناد والتحايل والظنون الخبيثة.

ثانياً: ان تعود السلطة الفلسطينية الى مجلس الأمن، وتطرح عليه من جديد الخيار الذي لا بد منه، وبأن تسأله: هل هو مع قراراته، أم يريد ان يتراجع عنها ويمسح بها بلاط المجلس؟

ثالثاً: ان يعود ابو عمار الى شعبه، يعالج مشاكله الداخلية.

فليس باراك وحده يميل الى الانتباه لشؤونه الداخلية، بل نحن ايضاً أحوج ما نكون الى معالجة شؤون بيتنا.

فاذا أفاق الضمير العالمي، وأدرك ان اسرائيل هي الجانية على الشعب الفلسطيني، وعلى القرارات الدولية، والشرعية الدولية، سيكون الفلسطينيون اول المرحبين باستفاقة هذا الضمير.

اما اذا نام العالم على قراراته، وأعلن انه عاجز عن ردع القوي من امام الضعيف فعندئذ يكون لكل حادث حديث. والذين ينتظرون ان ينام العالم كثيرون جداً، وخصوصاً على الجانب الفلسطيني والعربي والاسلامي، وسائر الشعوب المغلوبة التي ستقتنص اول فرصة سانحة.