أنظمة.. وسادة وعبيد

TT

ترك مائة وتسعة واربعون زعيماً حكوماتهم وراءهم وجاءوا إلى نيويورك لإلقاء خطب لا تزيد عن خمس دقائق يفترض منهم أن يتحدثوا فيها باسم ستة مليارات من البشر.

اننا اصبحنا حقاً نعيش في عالم صغير وإن كثر سكانه، وأصبح كل تغير يحدث في قطر من أقطار العالم له تأثيراته وأبعاده على الاقطار الأخرى بطريقه مباشرة أو غير مباشرة وانتهى عصر ما يسمى بالتقوقع أو فلسفة وضع القرار في معزل عن ادراك ابعاده الدولية.

وقد كتبت قبل قرابة عام تحت عنوان (حكومة العالم الخفية) أثناء قيام مظاهرات في مدينة سياتل في الأول من ديسمبر لعام 1999م ضد قرارات واقتراحات منظمة التجارة العالمية WTO فقلت (إن العالم يسير بسرعة مذهلة وانه لا يسعنا أن نوقف القطار كما أنه لا يسعنا أن ندفن رؤوسنا في الرمال. وفي السنوات الخمس المقبلة ستكون دول وشعوب رابحة ودول وشعوب خاسرة بل وستسود دول وشعوب على حساب استعباد دول وشعوب أخرى وهذا ما سيقدمه النظام العالمي الجديد للبشرية).

ومن تابع الخطب التي ألقيت في «قمة الألفية» في نيويورك يشعر بهذا الصراع في لهجة كثير من الخطب، فهناك من شعوب العالم الثالث من بدأ في ادراك التسارع الذي يسير فيه العالم بهم أو بدونهم والذي سيحدد كثيراً من شؤونهم.

إن الأمم والشعوب التي ستخرج بمكسب من التغيرات السريعة المدروسة هي الأمم والشعوب التي تفهم قضاياها فهماً دقيقاً شاملاً كاملاً وتطلق لأبناء أمتها حق ممارسة حرية الفكر وابداء الرأي.

هم شعوب وأمم نجحوا في تكوين أنظمة قابلة لمواكبة التطور والتغير السريعين مع الحفاظ على الأساس والدستور المجمع عليه من قبل أبناء شعوبهم.

انظمة يحكمها القانون، وقانون أكبر وأجل وأقوى من أن يصبح لُعبة أو دمية في يد حفنه من الرجال.

أنظمة تحترم الفكرة وتُشيدُ بها وتقدرها وتكافئ عليها. أنظمة يُعرف ويُقيم الرجال فيها بالفكرة ولا تعرف أو تقيم الفكرة فيها بالرجال، فالكل سواسية في هذا الحق وبذلك تصبح الفكرة بما تحمله من حكمة هي محك التفاضل بين الرجال.

أنظمة تستثمر في الفكرة وفي رجل الفكرة على قدر حكمة الفكرة وعطائها وخيرها فلا يُحرم صاحبها حقا هو له ولا يُحرم المجتمع خيرا هو في أمس الحاجة إليه لضمان استمراره وتطوره ونموه وازدهاره.

أنظمة زاوجت بين قوة وحماس وابداع الشباب وحكمة وخبرة الكبار.

ان الشعوب التي ستكسب في هذا السباق هي تلك التي جمعت شتات أمرها في داخلها ووضع ابناء شعبها لانفسهم أهدافاً واضحة يسيرون عليها وانظمة اقتصادية وسياسية واجتماعية وتعليمية واعلامية وصحية... إلخ، لخدمة اهدافها.

أما الشعوب المنهزمة في داخلها المفتقدة لمثل هذه الأنظمة والتي تعيش ليومها وتبدد ثرواتها لإثراء الأقلية فيها بدون استحقاق، فستُستَعبد من غيرها والأيام كفيلة بإثبات ذلك.

[email protected]

* طبيب استشاري ـ هارفرد ـ بوسطن