يوغوسلافيا بعد انتخابات الأحد

TT

رغم القائه خطابين في تجمعين خلال يوم واحد ونعته المعارضة اليوغوسلافية بـ«الأرانب والفئران وبنات آوى»، إلاّ أن الجموع التي فاق عددها 150 ألفاً وخرجت للاستماع إلى فويسلاف كوستونيتشا منافس الرئيس اليوغوسلافي سلوبودان ميلوشيفيتش على رئاسة يوغوسلافيا، بدأت تطلق شعارات «لقد انتهى» (عن ميلوشيفيتش) و«أنقد صربيا من دائرة الجنون يا كوستونيتشا».

وإذا اعتمدنا على عدد الجموع التي خرجت للاستماع إلى ميلوشيفيتش (15 ألفاً) وتلك التي خرجت للاستماع إلى كوستونيتشا (150 ألفاً) واعتمدنا أيضاً على نتائج استطلاعات الرأي العام التي تقول إن كوستونيتشا يتقدم ميلوشيفيتش بـ17% لأمكننا معرفة الفائز في انتخابات يوم الأحد المقبل.

لكن، إذا تذكرنا ما صرح به رئيس حزب ميلوشيفيتش من أن المقترعين سيصوتون لزعيمهم، ندرك ما ينوي عمله ميلوشيفيتش للبقاء في السلطة مهما كان الثمن. لقد أوضح كوستونيتشا الوضع الذي تعيشه يوغوسلافيا اليوم: «انها رهينة لرجل واحد»، كما أنه أوضح ما يمكن أن تكون عليه إذا ما جرت الانتخابات بطريقة نزيهة ومن دون تدخل: «هناك أمل وحظ كبيران اننا بعد الانتخابات سنبدأ حياة جديدة في صربيا أخرى (...) أعرف أنكم تريدون العيش في دولة أوروبية ديمقراطية، حرة من الداخل وحرة من الخارج».

لقد وعدت المجموعة الأوروبية وكذلك الولايات المتحدة برفع الحصار عن صربيا إذا ما خسر ميلوشيفيتش، وقال ناطق باسم مجلس الأمن القومي الأميركي إنه على الرغم من كل محاولات ميلوشيفيتش للبقاء في السلطة «إلاّ أننا نعتقد بإمكانية خسارته».

المثير للاهتمام هو التوقيت الذي اختارته الإدارة الأميركية لتسريب معلومات عن دعمها المادي للمعارضة الصربية الذي بلغ 77 مليون دولار ونشرته صحيفة «الهيرالد تريبيون» يوم الأربعاء الماضي أي قبل أربعة أيام من موعد الانتخابات الرئاسية، وذكرت أن هدف الدعم هو للإطاحة بميلوشيفيتش، مع العلم أن كوستونيتشا معروف بتشدده الوطني الصربي إلى درجة تقربه من اليميني المتطرف فويسلاف شيشلي، ثم أن كوستونيتشا أدان الزعيم تيتو لمنحه الحكم الذاتي لكوسوفو وفويدوفينا، ومع تفكك الاتحاد اليوغوسلافي كرر هجومه على اتفاق دايتون الذي منح البوسنة استقلالها، ومع دعمه لانضمام صربيا للمجموعة الأوروبية إلاّ أنه شديد النقد لدول حلف الأطلسي ولحربها من أجل كوسوفو، وقد أحرج واشنطن لفتحها مكتباً في بودابست (عاصمة المجر) مهمته مساعدة المعارضة الصربية واتهمها بالتدخل في شؤون صربيا.

على كل، كشف واشنطن لمقدار مساعدتها للمعارضة دفع الناطق باسم حزب ميلوشيفيتش إلى القول «إن الشعب الصربي يعرف مصدر مشاكلنا ويرفض بالتالي دعم الأشخاص الذين يديرون أزمتنا بالتنسيق مع قوى خارجية».

السؤال هو: هل تريد واشنطن فعلاً التخلص من ميلوشيفيتش أو أن وجوده يوفر لها سبب البقاء في هذه المرحلة في كوسوفو بانتظار أن تقرر مصير تلك المقاطعة؟

المسؤولون الأوروبيون في بريشتينا عاصمة كوسوفو يعترفون أن هزيمة ميلوشيفيتش ستركز الاهتمام على صربيا وتبعده عن كوسوفو وبالتالي فإن فكرة منح كوسوفو استقلالها تصبح مستبعدة، ويجب أن نتذكر أن بعض المسؤولين الألبان يعترفون في الجلسات الخاصة أنه من الأفضل لكوسوفو، على الأقل في المستقبل المنظور، أن يفوز ميلوشيفيتش في الانتخابات المقبلة، مع العلم أن ألبانيين آخرين يقولون إن مستقبل المقاطعة يكون مضموناً أكثر مع صربيا ديمقراطية، ولكن ما يقلق كل الألبان هو أن الغرب (أوروبا والولايات المتحدة) سيغير توجهه بالنسبة إلى كوسوفو، إذا ما جرى تغيير حقيقي في إدارة الحكم في بلغراد.

لذلك يمكننا القول، إنه من مصلحة واشنطن لاستمرار تحكمها في قلب أوروبا أن يبقى ميلوشيفيتش في الحكم، وعندما سيفوز لا بد أن نسمع قصصاً عن التزوير الذي جرى، والأموات الذين أدلوا بأصواتهم، وعن أن المعارضة الصربية المفككة لم تعرف كيف تتوحد رغم كل المساعدات الأميركية.