وسقط ضابط

TT

بينما تقرأ هذه الكلمات يكون أحد ضباط الشرطة المصرية قد سقط صريعا على الأرض برصاص الإرهاب. آخر القتلى قبل كتابة هذه الزاوية، بلحظات كان (ملازم أول) من ضمن قوة كمين ثابت في الإسماعيلية. من الواضح أنه توجد مجموعة عمل إرهابية (Task force) اتخذت من منطقة الإسماعيلية مقرا لها ومنطلقا لعملياتها. علق أحد المسؤولين السابقين في الأمن المصري على الحادث موضحا أن هناك شروطا لحماية الكمين بشكل عام، هناك قوة الكمين، وبعدها بمائة متر قوة أخرى جاهزة طول الوقت للتعامل مع أي شخص يقتحم الكمين أو يهاجمه، وهناك قوة أخرى قبل الكمين بمائة متر تمنع المهاجم من الارتداد. من كلماته فهمت أن الكمين، وربما كمائن أخرى، ليست مستوفية لشروط الحماية المطلوبة، إنها طريقتنا الشهيرة في تسديد الخانات وليس أخذ الأمور بالجدية الواجبة. لقد أصيب الضابط برصاصة في الصدر ولفظ أنفاسه الأخيرة وهو في طريقه إلى المستشفى، معنى ذلك أنه لم يكن يرتدي الصديري الواقي. أحيانا تعرض وزارة الداخلية بعض الأفلام القصيرة عن عمليات قامت بها قواتها للقبض على مجرمين. من السهل أن تلاحظ أن ضباط القوة المهاجمة لا يرتدون الخوذات ولا يرتدون الصديري الواقي. يبدو أنه من الصعب إقناع بعض الناس بأنهم في حالة حرب واضحة ومعلنة. في كتاب الجنرال شوارتزكوف وهو سيرة حياته، تكلم عن مرحلة حرب فيتنام التي كان فيها الأداء العسكري الأميركي في أسوأ حالاته، والروح المعنوية للجندي الأميركي في القاع، قال إنه من بين وسائل الدفاع الثابتة، توجد حفرة يجلس فيها الجندي، هي ضرورية لحمايته، غير أنه أثناء التفتيش على قواته بصفته قائد كتيبة فوجئ بأن هذه الحفرة لا تكفي لاستيعاب جسم الجندي، هي مجرد تسديد خانة وليست حفرة حقيقية كافية لإخفائه عن عين العدو، كما فوجئ بأحد ضباطه لا يرتدى الخوذة فقال له: «أعرف أن ارتداء الخوذة لساعات طويلة يشعرك بالضيق، ولكن أن تشعر بالضيق أفضل بكثير من أن تصاب برصاصة في رأسك».

هل كان من الضروري أن نخسر كل هذه الأرواح التي خسرناها ونخسرها لكي نستوعب فكرة أننا في حالة حرب تحتم علينا أن نتخلص من تراثنا العزيز علينا في الإهمال وأن نكون جادين، أم أننا غير قابلين لكي نكون جادين حقا.

منذ عدة أيام وجهت نداء للعالم المكافح للإرهاب بدعم الشرطة المصرية بالعتاد والأفكار، وكم أسعدني أن يصل إلى مصر مستشار الأمن القومي في إنجلترا وعقده لقاءات مع عدد من المسؤولين.. ولكن من الضروري أن أنبه إلى أنه حتى لو أرسلت السماء ملائكة محصنة لمساعدتنا، فيجب ألا ننسى أنها معركتنا نحن ومسؤوليتنا نحن، وأن كل مساعدات الدنيا لا أهمية لها إلا في حالة واحدة هي أن نكون جاهزين وراغبين في استيعابها بكفاءة عالية. إنها تطبيق عملي لمقولة سياسية قديمة: «لا تساعد أحدا إلا إلى المدى الذي يستطيع هو الوصول إليه».. أنا على ثقة بأن العالم على استعداد لمساعدتنا، غير أن السؤال هو: هل نحن على استعداد لمساعدة أنفسنا؟