روابطنا لا تزال وثيقة

TT

قال وزير الخارجية جون كيري عن العلاقات السعودية الأميركية مؤخرا «إن العلاقة الحقيقية بين الأصدقاء لا تقوم على المجاملة، بل ترتكز على الصراحة والمكاشفة... ومن الطبيعي أن تشهد سياستنا وآراؤنا اتفاقا في بعض الأمور واختلافا في البعض الآخر، وهو ما يعد شيئا عاديا في أي علاقات جادة تتسع للكثير من القضايا».

وتعكس الاستمرارية البلاغية للحديث الحقيقة التي تؤكد على حالة عدم الرضا السائدة حاليا في الرياض بسبب سياسة الولايات المتحدة تجاه الصراع في سوريا والمفاوضات مع إيران: تمتلك السعودية والولايات المتحدة علاقة استراتيجية وأمنية عميقة ومعقدة ومن المحتمل أن تعيد الخلافات من جديد في أحد الأيام، مثلما حدث من قبل عندما أثار الرئيس هاري ترومان حفيظة الملك عبد العزيز بسبب سرعة اعترافه بإسرائيل في عام 1948.

مما لا ريب فيه أن السعودية غير راضية عن قرار الولايات المتحدة التراجع عن شن هجوم عسكري ضد سوريا لكي تعمل مع روسيا في محاولة لتخليص سوريا من ترسانتها الكيماوية، وهي الصفقة التي كان لها تأثير غير مرجو تمثل في الاعتراف بشرعية الرئيس بشار الأسد كشريك. يرغب السعوديون في تنحي نظام الأسد، وقد كان الأمير سعود الفيصل واضحا في ذلك عندما صرح قائلا: «إن اختزال الأزمة السورية في مجرد تدمير السلاح الكيماوي الذي لا يعد سوى أحد تداعيات تلك الأزمة ولن يساعد في وضع حد لإحدى أكبر الكوارث الإنسانية في عصرنا الحالي».

وقد أظهرت السعودية عزمها الواضح على زيادة دعمها للثوار، أو على أقل تقدير دعم الثوار الذين تراهم معتدلين ومقبولين بالنسبة لها. وعدم رغبة السعوديين في وجود نظام الأسد المدعوم من إيران وحزب الله، يساعد على استمرار هذا الصراع.

وفي هذه الأثناء، تظل العناصر الحيوية للشراكة الأمنية السعودية مع الولايات المتحدة قائمة وموجودة ومن غير المحتمل تعطيلها. فيشتري السعوديون أسلحة أميركية بمليارات الدولارات، ويساعد خبراء الأمن الإلكتروني شركة «أرامكو السعودية» على حماية نفسها من الهجمات الإلكترونية، مثل النوع الذي تعرضت له الشركة العام الماضي. وعلاوة على ذلك، فإن البرامج المشتركة لمحاربة الإرهاب قائمة بشكل جيد في الوقت الراهن. وفي النهاية، يتواصل نمو الروابط الاقتصادية التي تعد مهمة لكلا البلدين، فلقد تعهدت شركة صناعة الألمنيوم الأميركية «الكوا» وشركة «فايزر» وشركة «بكتل» والمؤسسات الأميركية العملاقة الأخرى بتنفيذ مشروعات صناعية كبيرة في المملكة.

وليس لدى الولايات المتحدة أو السعودية أي رغبة في تعطيل ووقف هذه الإجراءات.

ويلوح في الأفق بصيص من الأمل لإنهاء الصراع الرهيب في سوريا سريعا، حتى لو انتهى الأمر باجتماع كل الأطراف في جنيف، حسبما اقترحت الولايات المتحدة. وقد استرعى استياء الرياض انتباه واشنطن واهتمامها، بيد أنه لا توجد رغبة أو ميل لدى الولايات المتحدة للمشاركة بشكل مباشر في هذا الأمر. وقد ينتظر الثوار والمواطنون السوريون المشردون والملايين الذين فروا من البلاد شتاء طويلا. وتتسم القضية السورية، على ما يبدو، بالتقاء وجهات النظر بين السعودية والولايات المتحدة في بعض الجوانب واختلافها في البعض الآخر. ويشير الأمير سعود الفيصل قائلا: «ليس هناك مجال للعواطف أو الغضب في هذا الأمر، حيث ترتكز السياسات الحصيفة والمتزنة على الثقة المتبادلة، وهذه هي الطريقة التي نستطيع بها حل أي مشكلة». وقد يكون محقا في هذا الصدد إذا كانت «الثقة المتبادلة» لا تزال موجودة أو يمكن استعادتها.

* خدمة «واشنطن بوست»

* باحث مساعد في معهد الشرق الأوسط بواشنطن