مقامرة إيران البورصة أم النووي؟

TT

يكفي تأمل عنواني الغلاف لمجلتي «الإيكونوميست» البريطانية و«التايم» الأميركية، لمعرفة حجم الرهان المعقود على الاتفاق النووي المرحلي مع إيران الذي وقع في جنيف، فالأولى التي ترى أنه أفضل الحلول المتاحة تحدثت عن فتح الشرق الأوسط، والثانية عن مقامرة الرئيس الأميركي أوباما مع إيران، وفي نفس الاتجاهين كانت معظم التعليقات والتحليلات في العواصم الغربية.

وفي كل التحليلات التي تلت توقيع الاتفاق، هناك اتفاق عام على أن سياسة أوباما تجاه إيران تنطوي على مقامرة ثمنها سيكون مرتفعا في حالتي النجاح أو الفشل بالنسبة إلى سيرته التي سيتركها بعد فترته الثانية في البيت الأبيض فيما يتعلق بالسياسة الخارجية لواشنطن.

مؤيدو الاتفاق في واشنطن والدول الغربية، يرون أن الاتفاق المرحلي لو ثبت وتوج باتفاق نهائي يمنع إيران من الوصول إلى سلاح نووي، فإن ذلك سيفتح الباب أمام شرق أوسط جديد أكثر استقرارا، ولا بد أنه سينعكس على سياسات طهران الإقليمية، بما يسمح بحل العقد الأخرى واحدة بعد الأخرى مثل سوريا، وحزب الله، والعلاقات مع الجيران، وتسهيل عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وفوق كل ذلك منع خطر اندلاع سباق تسلح نووي في المنطقة.

المتشككون والناقدون خاصة في الكونغرس الأميركي على عكس ذلك، يرون أن سياسة أوباما فيها قدر كبير من السذاجة، وأن الحل ليس مكافأة إيران بتخفيف العقوبات عليها، أو السماح لها بشراء الوقت، ولكن بمزيد من الضغط، كما أنه حتى لو كانت نوايا الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني جدية، فإن المتشددين هناك لن يسمحوا له بتكملة المشوار، كما فعلوا مع سابقيه مثل أحمدي نجاد، لأن اتفاقا نهائيا سيعرض نفوذهم وسيطرتهم إلى الخطر.

هناك مقامرة من دون شك، وهي في الأساس تدور حول الداخل الإيراني، والطبقة الوسطى هناك، وهي ليست مقامرة أوباما فقط، لكنها أيضا مقامرة روحاني. فكما أن هناك استعدادا لإعطاء الرئيس الأميركي فرصة الأشهر الستة للاتفاق المؤقت لاختبار مدى جديته، وإمكانيات حدوث تحول حقيقي في إيران، فإنه في إيران نفسها يبدو أن جناح المتشددين الذي لا يزال يصر على ترديد شعارات «الموت لأميركا» في المسيرات العامة يترقب لحظة الفشل أو أي إشارة من المرشد الأعلى ينفض فيها مباركته للاتفاق، لإطلاق حملاتهم ضد ما يعتبرونه «الشيطان الأكبر». لكن هناك شيء يلجم هذا الجناح حتى الآن، وهو الوضع الاقتصادي السيئ الذي تحدث عنه روحاني في كلمته بمناسبة مائة يوم على تسلمه الحكم، وقال: إن حكومته ورثته عن حكومة أحمدي نجاد، محملا إياها المسؤولية نتيجة الإدارة السيئة التي جعلت الاقتصاد ينكمش بنسبة تجاوزت 5 في المائة في العام المالي السابق، وخلقت حالة ركود تضخمي، وتراجعت العملة بنسبة 80 في المائة خلال عام.

وكان لافتا حجم التفاؤل الذي دب في بورصة الأوراق المالية في طهران، وصعود العملة المحلية أمام الدولار قبل أن يجف حبر اتفاق جنيف، اعتمادا على توقعات أن يؤدي تخفيف العقوبات إلى ضخ موارد إضافية بالعملات الصعبة إلى الموارد الحكومية، وتسهيل حركة التجارة وخفض التأمينات.

فالطبقة الوسطى الإيرانية تأذت من التراجع الاقتصادي، سواء كان ذلك بسبب الإدارة السيئة لحكومة أحمدي نجاد، أو تأثير العقوبات الاقتصادية بسبب البرنامج النووي على إيران، وهي كانت وراء دعم صعود روحاني إلى مقعد الرئاسة بأغلبية مريحة على أمل التغيير، كما أن مظاهر التململ وسطها، والذي يهدد المتشددين بانتفاضة ثانية ضدهم وراء سكوتهم على مضض حتى الآن.

وجزء كبير من الرهان الغربي هو على المساعدة على خلق رأي عام داخل إيران، مساند للمسار الذي يؤدي لاتفاق نهائي نووي من خلال حوافز اقتصادية، هل ينجح الرهان، هذا هو السؤال الذي لا يعرف أحد إجابته حتى الآن.