الرواية العربية

TT

الرواية هي الأسلوب «النقدي» الحديث الذي أخذ مكان الشعر في ساحة الأدب بشكل مهم ولافت، ويتنامى دورها وأثرها اللافت عبر السنين كما ونوعا.

وفي مناسبة جمعتني ببعض الأصحاب والمعارف كنا نتبادل أطراف الحديث عن الرواية وأثرها في العالم العربي، واتفقنا جميعا على أن الرواية بالمجمل وبشكل عام، تعد «فنا مصريا» بامتياز. فهم أكثر من برع فيها، وإنجازات نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس ويوسف السباعي وتوفيق الحكيم وطه حسين والعقاد ومحمد عبد الحليم عبد الله، تتحدث عن نفسها مع عدم إغفال قامة يوسف إدريس في القصة القصيرة.

وحتى في السنين الأخيرة، ظهرت قامات مهمة من جمال الغيطاني إلى يوسف القعيد، مرورا بعلاء الأسواني وإبراهيم عبد المجيد وإبراهيم أصلان وصنع الله إبراهيم، وغيرهم. ولكن هذا لا يمنع وجود نماذج ناجحة جدا في الرواية العربية برزت وتألقت؛ فالسودان جاء بالطيب صالح، والمغرب جاء بمحمد شكري والطاهر بن جلون، والجزائر قدمت لنا أحلام مستغانمي، ولبنان كان متألقا بتقديمه إلياس خوري وحنان الشيخ وربيع جابر وأمين معلوف ورشيد الضعيف، حتى اليمن قدم محمد علي باكثير وعلي المقري. وها هي الكويت تقدم سعود السنعوسي، وسوريا قدمت الكثير من النجوم مثل كوليت خوري ووليد إخلاصي وحنا مينا وخالد خليفة وهيفاء البيطار وثامر شاكر.

القصة العربية تحاول أن تجد مكانا لها بين الأمم، تحاول جاهدة أن تصنع لنفسها بصمة وتميزا، تحاول أن تشرح واقع مجتمعها بنقد وصدق وأمانة.

والسعودية بعد أن كانت لسنوات تقرأ لغيرها قدمت الكثير من الروايات بكم هائل في فترة بسيطة نوعا ما، فظهرت أسماء، وطبع الكثير من القصص، منها ما هو جاد، ومنها ما هو ضعيف، ومنها ما تحول إلى كتب أكثر مبيعا إما لموضوعها المثير، وإما لعنوانها الذي أثار الفضول والاستغراب. ولكن ما زلت أعتقد أن الرواية الجيدة - متى ما وجدت - لها قوة السحر على إحداث النقد المطلوب وتسليط الضوء على المشكلة الاجتماعية، ولنا في رواية «عمارة يعقوبيان» المصرية أكبر دليل على نجاعة النقد وبلاغته وأهميته وكيف أنها سلطت الأضواء على مشكلات كارثية، وكانت إنذارا لما أتى بعد ذلك من ثورات ومشكلات.

السعودية إلى حد ما لا تزال الرواية فيها «خجولة» وتتراقص حول خطوط تماس ملتهبة أمام كم هائل من «التابوهات» والممنوعات والمحظورات، ومع ذلك أرى أن هناك إنتاجا مميزا في الرواية السعودية يستحق الإشادة، فرواية محمد تراوري «ميمونة» أعدها من أهم الروايات العربية، إلا أنها لم تنل نصيبها من الاهتمام الكافي، وقد تطرقت لموضوع حساس يتعلق بالعنصرية والنظرة الاجتماعية الدونية. وكذلك الأمر بالنسبة لرواية رجاء عالم «حبي». ورجاء عالم لها تضاريس في رواياتها تجعل لها بصمة مميزة مكنتها من احتلال مكانة عالمية استثنائية لم يصل إليها أي كاتب أو كاتبة سعودية في جمال الرواية حتى الآن.

الرواية متعة وترفيه حقيقي، ولكنها أيضا إدارة استشرافية للتطوير والنقد الذاتي والأصح متى ما جرت تهيئة المناخ الملائم من الحرية والتقدير.