لا للتضحية بحقوق الإنسان في إيران مقابل اتفاق نووي

TT

بينما كان محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، يجلس مع نظرائه الغربيين نهاية الأسبوع الماضي في جنيف يتصافحون ويحتفلون بالاتفاق النووي المؤقت، كانت جثة هامدة لشاب معلقة في رافعة في ساحة عامة كئيبة في طهران، تبث الخوف بين الإيرانيين، الذين يعانون واحدا من أعلى معدلات الإعدام في العالم.

كيف يمكن التسامح مع هذه التناقضات الصارخة في وقت يتحرك فيه قادة العالم لبلوغ المرحلة التالية من التقارب مع إيران؟

ربما تكون الدبلوماسية، من دون شك، مفضلة على الحرب أو العقوبات الدبلوماسية أفضل من الحرب أو العقوبات التي أفقرت الإيرانيين العاديين الذين يكافحون بالفعل في ظل الفساد وسوء الإدارة الاقتصادية. ورغم المفاوضات، فإن الوضع الإيراني المروع لحقوق الإنسان لم يتغير تقريبا.

رغم ارتفاع معدل عمليات الإعدام بصورة تثير القلق في الأسابيع القليلة الماضية، جرى الإفراج عن عدد من السجناء السياسيين في إشارة رمزية. لكن الكثيرين لا يزالون يعانون من أوضاع غير إنسانية.

لا يزال تعذيب المعارضين والرقابة على وسائل الإعلام على حالهما، ويتواصل اضطهاد الأقليات الدينية مثل البهائيين والمسيحيين والمجموعات العرقية مثل عرب الأهواز والبلوش والأكراد من دون هوادة. وقالت القيادة المتشددة للإيرانيين إن التقهقر الاستراتيجي في المفاوضات النووية لإنهاء العقوبات لن يترجم إلى إصلاح داخلي.

فهل سيغض المجتمع الدولي الطرف عن حقوق الإنسان خلال الشهور المقبلة للتوصل إلى اتفاق نووي شامل؟

يؤكد البعض أن اتفاقا ناجحا سيعزز من قوة الإصلاحيين، فيما يرى آخرون أن ذلك سيساعد على بقاء المتشددين. بيد أن آخرين يؤكدون أن حقوق الإنسان يجب أن تقدم على المخاوف الأمنية.

لكن أيا من هذه المواقف لا يبرر السكوت عن الانتهاكات. فإذا كان الإصلاحيون يسعون حقا التغيير فينبغي عليهم الترحيب بالدعوات المطالبة بوضع حد لعمليات الإعدام والتعذيب والاضطهاد الديني. إذا زاد المتشددون من عمليات القمع تحت غطاء الشرعية الدولية، فيجب كشفهم. وإذا ظن البعض أن استرضاء من يتبنون عقيدة دينية بغيضة سيضمن لهم الأمن على المدى الطويل، فينبغي أن يدركوا الفارق بين السياسة «الواقعية» والتمني.

إن النظام الاستبدادي الذي يفتقد الشرعية دائما ما يحكم من خلال العسكر. لكن مفهوم الأمن يختلف في السياق الديمقراطي. انظر كيف تخلت الأرجنتين والبرازيل في الثمانينات، وجنوب أفريقيا بعد انتهاء نظام الفصل العنصري في التسعينات، عن برامجها النووية العسكرية بمجرد تحقيق حكم ديمقراطي. إن الحكومة التي تخضع للمساءلة أمام مواطنيها لديها أولويات مختلفة.

تتغذى القيادة الإيرانية الحالية على «القومية النووية»، حيث إنها تضع المصالح الوطنية في معادلة مع السلطة المطلقة لطبقة صغيرة عسكرية دينية حاكمة، وليس مع حقوق مواطنيها. وحتى «ميثاق الحقوق المدنية» الذي اقترحه الرئيس الإصلاحي حسن روحاني يقتصر على أتباع الديانات «السماوية». فحقوق الإنسان في الفكر الديني للجمهورية الإسلامية تشترط موافقة الدولة على معتقدات المواطن، وهو ما لا يعدو عن كونه فصلا عنصريا دينيا، يولد التعصب والعنف. إذا لم يكن هناك حد لمثل هذه الانتهاكات، فكيف يمكن الوثوق بالجمهورية الإسلامية؟

لا يمكن أن يتحقق التغيير الدائم، إلا من خلال حرية الشعب الإيراني. فقد أصاب الحكم الاستبدادي الذي استمر لنحو 35 عاما جيل ما بعد طوباوية الشباب الذين يبحثون عن مستقبل أفضل بالصدمة. إن إيران تمتلك واحدا أكثر من المجتمعات المدنية حيوية في منطقة الشرق الأوسط. فالحركات الطلابية والنسائية، والنقابات العمالية، والجمعيات الخيرية الشعبية، والمدافعون عن حقوق الإنسان، والبيئة، والصحافيون والفنانون الشجعان المستنيرون، قوى دؤوبة تحمل الأمل في تحول ديمقراطي دائم.

وقد طمأن تبني الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخرا، قرارا يدين سجل حقوق الإنسان في إيران، للسنة العاشرة على التوالي، الإيرانيين إلى أن محنتهم لم تنس. ويجب على مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة في جلسته التي ستعقد في مارس (آذار) في جنيف أن يجدد ولاية أحمد شهيد، مقرر الأمم المتحدة الخاص حول حقوق الإنسان في إيران. وعدم القيام بذلك، باسم التهدئة، سيكون له تأثير كارثي في الوقت الذي تفاضل فيه القيادة الإيرانية بين تبني الإصلاحات أو الحفاظ على الوضع الراهن.

يجب اعتبار محادثات جنيف شطرين يكملان بعضهما البعض، حيث تقف المفاوضات النووية على قدم المساواة مع حقوق الإنسان. وكلا الشطرين ضروري للتوصل إلى حل كامل.

تقف إيران في مفترق طرق، وقد حُبس شعبها بين مسارات تؤدي إلى اتجاهين متناقضين. الأول يعد بإعادة اندماجهم مرة أخرى في المجتمع العالمي وسط تحول تاريخي من الاستبداد إلى الحكم الديمقراطي. أما الآخر فيثير المخاوف من أن يتشبث المتشددون، نتيجة التنازلات المترددة وتراجع الحظوظ السياسية، بقوة في السلطة بارتكاب فظائع أكثر سوءا ضد المواطنين الإيرانيين مصورين إياهم على أنهم «أعداء»، «ومرتدون» و«عملاء للأجانب».

إن الاتفاق المؤقت والحوار الدبلوماسي مع إيران فرصة جيدة للتغيير، لكن على العالم ضمان ألا تجري التضحية بحقوق الإنسان على مذبح النفعية السياسية.

* خدمة «واشنطن بوست»