الشعب يريد عودة النظام

TT

كلا، ليس أنتم، لذا الأفضل ألا تسارعوا للفرح من جانبكم والشماتة في خصومكم صارخين: «لقد قلنا لكم هذا». من يكون أولئك؟ هم، بالطبع، بقايا كل نظام تهاوى بسرعة الرياح فور هبوب عواصف ما عرف بـ«الربيع العربي»، بدءا من تونس، في مثل هذا الشهر منذ ثلاث سنوات، وهم مَنْ أُطلِق عليهم وصف «الفلول» انطلاقا من مصر.

ليس بوسع أي طرف مصادرة أماني الحالمين بأن يؤدي فشل مشروع التغيير إلى الرجوع للخلف، وعودة السلف للحكم مجددا. يمكنك أن تحلم ما شاء لك، وأي الضفاف تختار، سواء مع انتفاضات ثوار ربيع العرب، أو في خنادق انقلابات أكثر من صيف عربي.

مع ذلك، حري بالحالم الاستعداد للصدمة؛ إذ يصحو فإذا بالواقع متصادم مع الأحلام.. تلك لحظة يوردها التعبير الإنجليزي الشائع على النحو التالي:

NOW, FACE THE MUSIC))

وليس للمعنى أية صلة بالمتعة الموسيقية، بل القصد هو مواجهة النتائج الكارثية للأخطاء. أما في العالم العربي، فإن صدمة التنبه من خيال لم يتحقق، سرعان ما تحلق في فضاء الرومانسية:

وانتبهنا بعد ما زال الرحيق

وأفقنا ليت أنّا لا نفيق

صحيح أن إبراهيم ناجي يرسم بالشعر لوعة العاشقين، لكنْ بين أبيات «الأطلال» لوحات تحكي عن أطلال الحالمين بتغيير ثوري للواقع العربي منذ ما قبل أن ينحتها الشاعر الطبيب (1966) ومن بعد، فما من «يقظة طاحت بأحلام الكرى» بكل ما كان يرجى من انقلاب عسكري صار ثورة شعبية، تبعها انقلاب ثوري، تلته حركة تصحيحية، أعقبتها انتفاضة جماهيرية، إلا وتوالت بعد كل منها بكائيات الندم على ما فات، وكأنما مأساة باكي الأحلام هي أنه أفاق..

وإذا النور نذيرٌ طالعٌ

وإذا الفجر مطلٌ كالحريق!

أيُعقل هذا؟ أيمكن أن يستمر صنع أقدار الشعوب وأن يتواصل رسم مصائر الأمم والأمصار بالاندفاع من حلم إلى وهم، وبلا تدبر لما جرى، أو تفكر بما صار؟

كلا، ليس هذا بالمعقول ولا هو بمقبول. المنطق يقول، والتاريخ يؤكد، أن صبر الناس قد يطول، لكن الغيظ لن يُكظم إلى الأبد، فسواء في مصر، حيث أنهت لجنة الخمسين مهمتها وانتهت من وضع مسودة دستور جديد، أو في ليبيا حيث جرائم ميليشيات القتل والإفساد في تزايد، أو في فلسطين حيث شقاق قيادات حركتي «حماس» و«فتح» يزيد معاناة الناس وآلامها، أو حيثما تمدد شبح الفوضى وتغوّل ليهدد أمن البشر ومصالحهم في أرزاقهم.. لا بد أن تنهض الشعوب من جديد لتطلب عودة نظام القانون (LAW AND ORDER) والأمن المفقود. ربما يتطلب الأمر المزيد من التضحية والمعاناة، لكن لا مفر من مواجهة حسم مع كل طرف يريد فرض شرع الغاب على أي شارع عربي.

[email protected]