سر «الخلوة» الوزارية!

TT

أعجبني مصطلح إداري جميل يستخدمه رئيس مجلس الوزراء في دولة الإمارات وحاكم دبي وهو «الخلوة الوزارية». وهو تعبير يطلق مجازا على تجمع للوزراء في الإمارات خارج أجواء العمل الروتينية، كالالتقاء في منتجع صحراوي أو على شاطئ بحري بعيد وهادئ بحيث يمارس الوزراء هواياتهم ويتبادلون أطراف الأحاديث الودية ويتخلل ذلك «أهداف محددة» ينبغي تحقيقها، مثلما أعلن الشيخ محمد بن راشد عبر حسابه في «تويتر» عن خلوة تطوير القطاع التعليمي والصحي.

وتزامن الإعلان عن هذه الخلوة مع إطلاق أكبر حملة عصف ذهني إلكتروني في المنطقة، وذلك عبر موقع «تويتر» بهاشتاغ #العصف_الذهني_الإماراتي، الذي لم يقتصر على الإماراتيين، بل اندفع إليه بحب أكثر من 12 مليونا عربيا في غضون 9 ساعات، جرى تجميع أفكارهم وفلترتها. ومن المتعارف عليه في العالم الغربي، أن يصاحب هذه الخلوة العصف الذهني (brainstorming)، وهي جلسة لتوليد الأفكار من دون انتقاد أو إطلاق أحكام مسبقة ثم غربلتها ليجري انتقاء الأفضل. وهذا ما تلجأ إليه كبريات الشركات العالمية بين حين وآخر؛ منها شركة «أبل»، حيث عرف عنها انتقاؤها أفضل 100 موظف، تضعهم مع الإدارة العليا في مكان يخلون فيه بأنفسهم ليولدوا أفضل الأفكار. وما ابتكارات هواتف «آيفون» الذكية والـ«آيباد» اللوحي إلا ثمار ذلك العصف الذهني.

وحتى تنجح الخلوة الإدارية للمؤسسة، لا بد أن يكون هدفها واضحا للمشاركين، مثل: الراحة والاستجمام وتحديد رؤية ومهمة الشركة (vision & mission)، أو وضع استراتيجية عامة أو خطة مشروع محدد، شريطة أن يكون ذلك محكوما بمدة زمنية مثلما ذكر الشيخ محمد أن خلوة الوزراء ستكون يومين فقط. وقد سبق أن شاركت بخلوة شبيهة عبر مبادرة (فكر دبي) ذكرتها في مقال سابق بعنوان «دبي وقائدها» حيث تمخض الحفل، الذي حضره قادة الفكر العربي والمتخصصون، عن تدوين المكتب الإعلامي هذه الأفكار العربية في ثلاثة قطاعات محددة، كانت دبي تريد خطوات عملية لتحقيقها. وبالفعل، رأينا بعد شهور أفكارنا وأفكارهم تطبق تدريجيا على أرض الواقع.

والخلوة لا تنطبق فقط على المؤسسات، بل يحتاجها كل فرد ليجدد بها نشاطه وأهدافه وعلاقاته. فكم من علاقات تصدعت وفرص أهدرت لأننا لم نخل بأنفسنا لسويعات نجدد بها حياتنا. ففي ظل مشاغل الحياة، ينسى المرء أن يفكر مليا في نفسه وينظر إلى أهدافه ليتساءل: هل هو يسير في الاتجاه الصحيح؟ فليس كل هدف ندونه على ورق يبقى صالحا لوقت طويل. فبعض الأهداف تنتهي صلاحيتها كما تنتهي صلاحية الأطعمة.

الخلوة الإدارية عموما مهمة لإطلاق العنان للتفكير الإبداعي والصفاء الذهني، فكم من فكرة عظيمة ولدت في لحظة من الاسترخاء والمتعة، وهذا ينطبق على الفرد لأن الفرد هو أصل كل حضارة ومن بنات أفكاره بزغت كل فكرة إبداعية يشار إليها بالبنان.

[email protected]