لعنة متحف المجوهرات

TT

في بعض الأحيان أجد نفسي أجزم أن هناك لعنة اسمها الفراعنة وأن سحرهم الذي شهد له القرآن الكريم لا يزال نافذا، وأن هذه اللعنة تصيب الأعمال العظيمة التي تتم في الآثار بل وتصيب كل من يحاول العمل بالآثار.

وتبدأ الحكاية عندما تحول القصر الفريد المميز والمستوحاة عمارته من طراز الباروك إلى متحف للمجوهرات.. وكان المبنى في الأصل قصرا أنشأته الأميرة فاطمة الزهراء ابنة السيدة زينب فهمي والأمير علي حيدر، حفيدة مصطفى بهجت فاضل باشا شقيق الخديوي إسماعيل، وحفيدة محمد علي باشا.. وقد اشتهرت أميرة القصر باسم الأميرة «فاطمة حيدر»، وأصبح أول حرفين من اسمها (ف - ح) مطبوعين على أماكن كثيرة في القصر وعلى مقتنياتها كعادة ملوك وأمراء أسرة محمد علي، ولقد بدأت والدتها في بناء القصر عام 1919. ثم أكملت عمارته فاطمة الزهراء في عام 1923. وقد بنى هذا القصر الفنان الإيطالي «أنطونيو لاشياك» وعمل التصميمات والزخارف على الطراز البيزنطي القديم، ورسمت على جدران القصر وأسقفه لوحات فنية من الزجاج الملون والمعشق بالرصاص، والتي تمثل أيضا قصصا تاريخية رسمت بالأسلوب الأوروبي.. والزخارف مستوحاة من فن الباروك والروكوكو، أما الأرضيات فهي إما منفذة بأنواع الرخام الملون أو الباركيه التي تختلف في التصميم من قاعة إلى أخرى.. وكان هذا القصر يستخدم للإقامة الصيفية حتى عام 1952. ثم أصبح يستخدم لرئاسة الجمهورية، وبعد ذلك خُصص ليكون متحفا للمجوهرات لما فيه من قيمة معمارية وفنية متميزة.

وقد بدأ تطوير هذا المتحف عام 1986. ولكن هذا التطوير قضى على طراز المتحف الأوروبي تماما وطمست المناظر الرائعة الموجودة على سقف القصر، وكانوا على عجل يريدون أن يفتتحوا القصر لينالوا الأوسمة، وكانت هذه أسوأ لعنة نالها القصر.. وأغلقنا المتحف وبدأنا في تطويره، وأحضرنا أعظم المرممين من روسيا لإزالة اللون الأسود الذي غطى المناظر، وأحضر المقاولون العرب المهندسين الذين أعادوا للمتحف رونقه الأوروبي، ومهندسا ألمانيا بقاعات الوطن، وقامت السيدة سوزان مبارك بافتتاح المتحف.

أما اللعنة الثانية فقد كانت مديرة المتحف تشرح القطع الأثرية للحضور ومن هذه القطع جراب نظارة خاصة بالأميرة سميحة توفيق ونقش عليه حرفان باللغة الإنجليزية (س.م) وهنا ضحكت السيدة سوزان مبارك مع فاروق حسني وقالت: «إن هذين الحرفين يعنيان سوزان مبارك» وضحك الجميع، وفي نفس الوقت قدم المهندس إبراهيم محلب كتابا يوضح مراحل ترميم المتحف بالصور داخل علبة قطيفة قدمه فاروق حسني لحرم الرئيس، وعندما أخذت الصور التذكارية، قدم أحد مهاويس الشهرة بلاغا بأننا قدمنا «كوليه» الأميرة سميحة توفيق هدية إلى حرم الرئيس، وهذا لا يمكن حدوثه وحققت النيابة في الموضوع وحفظته نظرا لأنه لم يحدث، ولكن الصحف تغنت بهذه الكذبة شهورا.

أما اللعنة الثانية فهي أن البلطجية بعد ثورة يناير (كانون الثاني) هاجموا منزل محافظ الإسكندرية وبدأوا في غزو المتحف ولولا إبراهيم درويش مدير المتحف الذي استطاع أن يحضر أربع دبابات لحماية المتحف لوجدنا مجوهرات أسرة محمد علي تحلي أيدي ورقاب «الحرامية» والبلطجية.