الملح في الدواء.. أضرار خفية

TT

بعيدا عن الحديث حول الآثار الجانبية والتفاعلات العكسية، كأنواع من الأضرار الواضحة لتناول أحد الأنواع من الأدوية، وبعيدا عن التأثيرات السلبية للإفراط في تناول نوع من الأدوية، وبعيدا كذلك عن تأثيرات عدم تناول الكميات اللازمة منها لمعالجة أحد الأمراض، هناك جوانب أخرى خفية من أضرار الأدوية تتكشف للباحثين الطبيين يوما بعد يوم.

ولا يزال الطب معتمدا بشكل حيوي على «تناول الدواء» كأحد الركائز الأساسية لـ«عملية معالجة المريض» و«عملية وقاية الشخص السليم» من الإصابة بأحد الأمراض، ولذا يظل الدواء هو ملجأ الطبيب وملجأ المريض لتخفيف أعراض المرض أو إزالته أو الوقاية منه. ومع احتلال «الدواء» هذا الموقع المتميز في عملية تقديم الرعاية الطبية العلاجية وعملية الرعاية الصحية الوقائية، يجدر التنبه والبحث عن أي أضرار محتملة يمكن أن يتسبب بها تناول الدواء من قبل الطفل أو البالغ أو الكبير في السن أو الرجل أو المرأة.

ولأن الدواء وسيلة علاجية ووقائية، فإن أقل ما هو مطلوب منها ألا تكون سببا في ضرر المريض أو السليم. ولأن الدواء لا يصفه إلا الطبيب وفق احتياج الحالة الصحية للمريض أو الدواعي الوقائية للسليم، ولأن الصيادلة يبذلون جهودهم في تثقيف المريض حول أدويته وكيفية تناولها وما عليهم ملاحظته من آثار جانبية أو تفاعلات عكسية ناتجة عن تناولها، فإن من المهم أن نكون مطلعين كأوساط طبية حول ما تحتويه هذه الأدوية من مواد أخرى يتطلب وجودها في كبسولة أو قرص أو شراب الدواء لتسهيل تناوله وتسهيل استفادة الجسم منه. ومعلوم أن أقراص أو كبسولات أو شراب الدواء لا تحتوي فقط على مادة العقار الكيميائية الفاعلة، بل ثمة مواد أخرى كثيرة توجد في هذه الهيئة للدواء Drug Formulation يتطلب وجودها مبررات فنية وعلمية يتقن فهمها المتخصصون في علم الصيدلية.

والسؤال: هل نحن كأوساط طبية على معرفة كافية بتأثيرات هذه المواد المضافة على سلامة المرضى، وهل ننبه مرضانا حولها؟

دعونا نأخذ كمثال تهيئة أدوية معينة لتكون مناسبة للتناول بطرق غير «ابتلاع قرص دواء»، كالأقراص الدوائية الفوارة أو القابلة للذوبان أو المضغ، أو كشراب، وهي التي قد يحتاج إليها بعض المرضى أو التي توفر طريقة سهلة على الجهاز الهضمي لامتصاص مواد العقار الفاعلة فيها.

الباحثون من مستشفى جامعة «ناينويل» في ديندي بالمملكة المتحدة نشروا دراستهم الأولى من نوعها في العالم حول تأثيرات كمية الملح في الأقراص الفوارة والسريعة الذوبان على سلامة القلب والأوعية الدموية في الدماغ. وهذه الأقراص التي تناولوا تأثيراتها بالبحث هي من الأنواع الشائعة الاستخدام، مثل «الباندول» الفوار وفيتامين سي وغيرهما. وفي محصلة نتائج دراستهم قال الباحثون ما نصه: «ثمة ارتباط بين تناول الأدوية التي تحتوي على الصوديوم في هيئتها الفوارة أو السريعة الذوبان أو القابلة للمضغ، وبين ارتفاع الاحتمالات بشكل كبير في احتمالات حصول أحداث سلبية significantly increased odds of adverse events على القلب والأوعية الدموية وذلك بالمقارنة مع تناول نفس الأدوية بهيئات غير تلك non - sodium formulations. لذا فإن هيئات الأدوية المحتوية على الصوديوم يجب أن توصف بحذر وفقط في حالات وزن منافعها مع احتمالات أضرارها».

ووفق ما نشره الباحثون ضمن عدد 26 نوفمبر (تشرين الثاني) للمجلة الطبية البريطانية BMJ، شمل الباحثون في دراستهم متابعة نحو مليون وثلاثمائة ألف شخص من البالغين، لمعدل مدة سبع سنوات، لتتبع مدى تأثيرات الارتباط بين تناول تلك النوعيات من هيئات الأدوية واحتمالات الإصابة بالأحداث السلبية في القلب والأوعية الدموية بالجسم. والأحداث السلبية المقصودة شملت نوبات الجلطة القلبية غير القاتلة والسكتة الدماغية غير القاتلة والوفيات بسبب أمراض الأوعية الدموية في القلب أو الدماغ وارتفاع ضغط الدم وانتكاس حالات فشل القلب.

وأعطى الباحثون مثالا لكمية الصوديوم التي يتناولها الشخص لو تناول أعلى كمية مسموح طبيا بها من دواء باراسيتامول المسكن للألم والخافض للحرارة والشائع الاستخدام جدا، ووجدوا أن كمية الصوديوم في تلك الأقراص الفوارة من الدواء تفوق أعلى كمية للملح ينصح المرء بعدم تجاوزها! أي أن الشخص يلزمه إذا تناول الأقراص الفوارة تلك عدم تناول أي كمية من الملح طوال اليوم.

وإضافة إلى جانب حقيقة معرفتنا بما نقدمه كأوساط طبية للمرضى كوسائل علاجية أو وقائية، فإن الأوساط الطبية لا تزال بحاجة إلى مزيد من الجهود لرفع مستوى سلامة المرضى عبر عدم تسبب وسائل المعالجة بالضرر عليهم. ومثال الأضرار الخفية للأدوية، غير الأضرار التي تذكر عادة في التعريف المرفق بعبوة الدواء، هو أحد الجوانب التي قد يستغرب البعض أنها لم تبحث بشكل علمي كاف من قبل والتي تتطلب عناية من الأطباء حول تنبيه المرضى للأضرار المحتملة لبعض هيئات الأدوية التي تباع دونما حاجة إلى وصفة طبية.

وكنت قد تناولت في عدد 3 أغسطس (آب) من عام 2012 لـ«الشرق الأوسط»، موضوعا مماثلا، وهو مدى توفر المعايير الصحية لوجبات الطعام التي تقدم للمرضى بالمستشفيات، وذلك من جوانب كونها قليلة الدسم وقليلة المحتوى للملح وغيرها، وذلك تعليقا على دراسة واسعة تم نشرها في حينه ضمن مجلة أرشيفات الطب الباطني للباحثين من كندا، وعلى دراسة مماثلة للباحثين من بريطانيا.

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]