ثمن الملهمين

TT

بين الذين يقاتلون على رماد سوريا، هناك فريقان من العراق: واحد مع المعارضة وواحد مع النظام. يجمع بينهما ليس أن كليهما عراقي، بل إن كليهما عسكري سابق في الجيش الذي حله بول بريمر، صاحب الحذاء الرياضي، الذي أرسله جورج بوش لإدارة أسوأ احتلال أميركي. (هل هناك احتلال أفضل؟).

اللحظات التاريخية في حاجة إلى رجال تاريخيين. باراك أوباما يدفع اليوم أثمان سياسات وقرارات جورج بوش والزمرة التي حركته، إما بجهل فائض أو بخبث فائض. شن جورج بوش الحرب على العراق لحسابه ثم سلمه إلى عدوه الآخر، إيران. دخلت الدبابات الأميركية مزمجرة وخرجت مطفأة. جورج بوش الأب خاض حرب الكويت ووقف على حدود العراق. أصغى إلى رجال يعرفون محدودية القوة العسكرية ولا محدودية المستنقع في العراق، الذي وصفه جاك شيراك وهو يعلن عدم دخول فرنسا الحرب بـ«أبواب الجحيم».

المشكلة في القرارات الخطأ، أن أثمانها لا يدفعها أصحابها فقط، بل تورث، ربما إلى أجيال كثيرة. «التكفيريون» كانوا يخرجون من سوريا، فصاروا يأتون إليها، خصوصا من العراق الذي أرسلتهم إليه. طبيعة الألعاب النارية أنها تصيب أصحابها أيضا. أهم ما في القرار لحظة القرار. بدل التهديد بإشعال الشرق الأوسط ومعه العالم، كان لدى النظام السوري حل أكثر بساطة وكلفة عليه وعلى الشرق الأوسط وعلى العالم: إلغاء تلك المادة التي تقول إن حزبا، لم يعد في الوجود، هو قائد المجتمع. المجتمعات ليست قطيعا ولا قالب إسمنت. سميت مجتمعا لأنها مجموعة طباع وأفكار وأذواق وتقاليد وعادات، خصوصا منها المجتمع السوري، القائم منذ أيام روما، مرورا بالفتح وأمية وصولا إلى ما استقر عليه من مكونات. كان في إمكان «البعث»، بكل بساطة، أن يكون الحزب الرئيس والحزب الحاكم، من دون أن يقال للشعب السوري إن عليه حزبا قائدا في الدولة وفي القوات المسلحة وفي الجامعات وفي القدود الحلبية.

مشكلة الشعب العربي إصرار زعمائه على معاملته كقاصر، في حاجة دائمة إلى قادة وزعماء أوحدين. تدفع سوريا وليبيا ومصر والعراق ثمن الإلهام الذي لا يعطى إلا لرجل أوحد وحزب واحد. ثمن وحدانية الشخص والحزب كان تفكك البلدان على هذا النحو المريع والمرعب، وظهور جماعات مخيفة أو مريبة، تحول البلدان إلى سوق سوداء يباع فيها كل شيء، من الآثار الوطنية إلى أعراض القاصرات.

جميعا ندفع ثمن قرارات بسيطة لم تتخذ في لحظتها. ثمن مكابرات تفكك الشرق الأوسط، لكنها أيضا تعجز عن حفظ الوحدات الوطنية ووحدة العائلات وكرامات البشر، وخصوصا الضعفاء منهم.