لماذا تصر الدول العظمى على استمالة الإسلام السياسي؟

TT

خلال ثلاثة أشهر مضت، استطاعت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما وقف تهديد أبرز ترسانات سلاح الدمار الشامل في المنطقة العربية؛ كيماوي سوريا، ونووي إيران، وبذلك يكون أوباما حقق لإسرائيل أمنا استراتيجيا لم يسبق له مثيل ولم يقدمه رئيس أميركي آخر، وستعيش بسببه إسرائيل آمنة مطمئنة لا يرف لها جفن.

لا يغرنكم صراخ نتنياهو وغضبه حيال الاتفاق النووي الأخير، فمثلما للفرح دموع، لها غضب. وربما لولا الحياء لبعث برسالة شكر وتقدير للرئيس السوري بشار الأسد وإلى المرشد الإيراني علي خامنئي على هذه الهدية التي لم تصلها أحلامه ولا أحلام سابقيه من رؤساء الحكومات، أضف لذلك واقع الجيوش العربية؛ السورية والعراقية التي لم تعد شيئا مذكورا، فضلا عن أن إدارة أوباما أشغلت الجيش المصري بمعارك سيناء حينما أخرجت «الإخوان المسلمين» من خلف الستار ومكنتهم من السلطة.

الاتفاق النووي بين دول 5+1 وإيران وضع أمام الطرفين اختبارا مدته 6 أشهر، توقف إيران من جهتها تخصيب اليورانيوم من 20 في المائة إلى 90 في المائة، وهي المرحلة التي وصل إليها المشروع والأخيرة التي تمهد لصنع رأس نووي، على أن تقوم بالتخلص من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المائة بتفكيكه أو إعادة خلطه مع يورانيوم غير مخصب. وبالمقابل تخفيف الضغوط الاقتصادية بالإفراج عن 7 مليارات دولار من ضمنها الأموال المجمدة لإيران في الخارج.

هناك حقيقتان على الأرض فرضتا بنود الاتفاق؛ أولاهما أن حصول إيران على قنبلة نووية بات أمرا وشيكا. ومن الناحية التجريبية، فإن تخصيب اليورانيوم من 5 إلى 20 في المائة يستهلك زمنا والكثير من منصات أجهزة الطرد المركزي التي تقوم بعملية التخصيب، وهو ما كانت تعمل عليه إيران خلال السنوات الماضية، أما تحويله من 20 إلى 90 في المائة فهو أسرع زمنا وأقل تكلفة. وإيران لديها مخزون من اليورانيوم المخصب (20 في المائة) يسمح لها خلال عامين بإنتاج رأس نووي.

الحقيقة الثانية أن إيران هيأت نفسها لهذا الاتفاق منذ اختيار حسن روحاني رئيسا من قبل المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية. هذا المستوى من التغيير من شخصية راديكالية مثل أحمدي نجاد إلى شخصية أكثر اعتدالا أعطى رسالة واضحة للغرب برغبة إيران في التقارب وتغيير سياستها الخارجية، والغرب بدوره التقط الإشارة وقدم نفسه خطوة في هذا الاتجاه. مع أهمية التذكير بأن منح إيران 7 مليارات دولار ضمن الاتفاق لا يمثل قيمة تذكر لدولة ضخمة المساحة والسكان تعاني منذ الإدارة الأميركية السابقة من اختناق اقتصادي بفعل العقوبات، خاصة أن علمنا أن إيران تخسر شهريا 5 مليارات دولار نتيجة تعطيل بيع نفطها بسبب العقوبات الاقتصادية، أي أن المبلغ المفرج عنه لا يعدو كونه قيمة كوب شاي ضيافة الإيرانيين في جنيف تقديرا لتجاوبهم. أما العقوبات الاقتصادية الأهم فهي باقية، خاصة المتعلقة ببيع النفط والمعاملات المصرفية.

مع ذلك فالاتفاق يؤكد أن الغرب، وإدارة الرئيس أوباما تحديدا، لا يزالون يعولون على الإسلام السياسي لاستقرار مصالحه في المنطقة العربية، رغم أن الإدارة الأميركية خسرت للتو تجربتها المثيرة مع «الإخوان المسلمين» في مصر، وعادت اليوم لتتبرأ منهم وتناشد الحكومة المصرية التمسك بالمشاركة السياسية لـ«الإخوان» درءا لشرورهم. هذه التجربة المرة لم تكن مشجعة، لكنها تعيد نفسها مع نظام الملالي في إيران. تظن واشنطن أنها قد تضعف تنظيم القاعدة السني المتطرف إما بالإسلام السني المعتدل المتمثل برأيها في «الإخوان المسلمين»، أو بإيران الشيعية، وكلاهما وصولي يسهل عقد صفقات معه. الخيار الأول فشل مع مصر، واتضح أنهم فصيل قابل للتحول إلى التطرف، وها هي تحاول في الخيار الثاني كما فعل جورج بوش في العراق حينما فتح البوابة الشرقية للإيرانيين وأعطى ظهره لسنة العراق، والنتيجة نراها اليوم؛ عراقا دمويا وتنمية منعدمة، ولكنها غير مزعجة.

عمليا، إيران لا تمانع مصافحة يد أوباما طالما سيتركها تتحرك بحرية أكبر في العراق واليمن ولبنان والبحرين، ويسمح لها بأن تكون أحد أهم أركان التغيير في سوريا الجديدة. في الحقيقة أن هذه الرغبات الإيرانية هي هدفها الأساسي من فكرة المشروع النووي؛ أي أنها بالنهاية وصلت لمبتغاها في الهيمنة على المنطقة العربية متجاوزة جدار الخليج العربي. المشروع النووي الإيراني مخلب يهدد قلب الخليج، صحيح أنها لم تستخدمه حتى الآن لكنها في كل مناسبة كانت تسمعنا صوت طرقاته على نوافذ المنطقة العربية.

القوى السنية مدركة لخطورة هذا الوضع، وبشكل رئيسي السعودية، حاضنة السنة في العالم الإسلامي. الفشل في الاتفاق النووي، أي الفشل في التوصل إلى صيغة اتفاق نهائية خلال المفاوضات الجارية وحتى ستة أشهر مقبلة، يعني أن الصورة ستكون أوضح للخليجيين، وستظهر جدية وغاية طرفي الاتفاق. هذا الفشل سينبئ بعودة التهديد العسكري الإسرائيلي لإيران، وستضطر دول الخليج لتأمين نفسها بسلاح نووي هي الأخرى.

مع ذلك فالقلق ليس من فشل الاتفاق، بل من نجاحه.

ماذا إن نجحت إيران في طمأنة الغرب، وتخطت الاختبار برضوخها لكل الشروط وتنفيذها لكل الالتزامات؟ ما الذي ينتظر المنطقة العربية؟

الغرب لا يعنيه حقيقة أن الصراع بين إيران والعرب صراع تاريخي يتجاوز النووي والكيماوي والحقب الرئاسية الأميركية والموضوع السوري والحوثيين ونوري المالكي، هذا الصراع حقيقة ثابتة وأزلية. إنها حرب قوى، نموذج مشابه لنزاع الشرق والغرب الذي صنع الأحداث والمصائر منذ قرون.

ستة أشهر ستمضي سريعا، وسنشهد فصلا جديدا من المسرحية، إنما رحى الصراع ستستمر، ستمضي، ولن يوقفها أي إمضاء.

[email protected]