إلغاء تحديد فترات الرئاسة

TT

في عام 1947 أدان السيناتور هارلي كيلغور، النائب الديمقراطي عن ولاية فيرجينيا الغربية، تعديلا دستوريا مقترحا من شأنه تقييد تولي الرؤساء السلطة في البلاد بفترتي رئاسة فقط. في ذلك الوقت، علق كيلغور على ذلك التعديل في مجلس الشيوخ بقوله إن ذلك «سيضعف فعالية المسؤول بشكل كبير، حيث إنه عندما يعلم المرء أن الرئيس لن يكون باستطاعته خوض الانتخابات مرة أخرى فإنه لن يطيعه أو يحترمه».

وقد قفز تعليق كيلغور إلى مخيلتي أثناء مراقبتي لأداء الرئيس أوباما، الذي انخفضت شعبيته حسب آخر استطلاع رأي أجرته قناة «سي بي إس نيوز» إلى 37 في المائة أثناء فترة طرح مشروعه لإصلاح الرعاية الصحية، وهي النسبة الأقل في مسيرة أوباما. وقد نأى الكثير من رفقاء أوباما في الحزب الديمقراطي بأنفسهم عن ذلك المشروع وعن الرئيس نفسه. حتى الرئيس الأسبق كلينتون قال إنه ينبغي أن يُسمح للأميركيين بالاحتفاظ بخدمات التأمين الصحي التي يمتلكونها.

وبالنظر إلى ردود الفعل حول صفقة إيران النووية، نجد أنه بغض النظر عن معدلات شعبيته السياسية، توقع أوباما هجوما شديدا من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين مثل ليندسي غراهام، النائب عن ولاية كارولينا الجنوبية، وجون ماكين، النائب عن ولاية أريزونا، على تلك الاتفاقية. لكن إذا توافرت لأوباما الفرصة للترشح مرة أخرى، فهل سيلقى تلك الاعتراضات الشديدة التي أبداها الكثيرون مثل السيناتور الديمقراطي تشاك شومر عن ولاية نيويورك، والسيناتور الديمقراطي روبرت مينيندز عن ولاية نيوجيرسي؟

من المحتمل ألا يحدث ذلك. فأعضاء الكونغرس الديمقراطيون سينتابهم القلق من إثارة غضب رئيس من الممكن أن يجري انتخابه مرة أخرى. أما وقد جرى تقييد فترات الرئاسة، فليس لديهم الكثير ليشعروا بالقلق حياله.

ولا ينبغي على أوباما القلق أيضا من الناخبين، الذين ربما يشكلون العقبة الأكبر بين المشاكل التي ستواجهه. فإذا اختار أوباما خوض الانتخابات فيمكنه ببساطة تجاهل إرادتهم. أما إذا أراد الشعب أن يتولى أوباما فترة رئاسية أخرى، فلماذا لا يجري السماح لهم بمنحه الفرصة لذلك مرة أخرى؟

وقد كان هذا ما طرحه أول رئيس لبلادنا، والذي يُعرف في التاريخ بصاحب فكرة تحديد فترات الرئاسة. وفي الحقيقة، عارض جورج واشنطن تحديد فترات الرئاسة، حيث يقول في خطابه الشهير، كثير الاقتباس، لماركيز دي لافاييت «أرى أنه ليس من الكياسة والفطنة أن نحرم أنفسنا من خدمات أي رجل يستطيع التصرف في أوقات الطوارئ الشديدة، كما يراه الجميع قادرا أكثر من غيره على خدمة الشعب».

وقد ترك واشنطن السلطة بعد فترتين قضاهما في رئاسة أميركا، مقدما بذلك مثالا ظل حاضرا لأكثر من قرن من الزمان.

كان ثيودور روزفلت، الذي ترشح لفترة رئاسية ثالثة في عام 1912 عن الحزب التقدمي الذي أنشأه، هو أول رئيس يعارض علنا تقليد فترتي الرئاسة. وعندما ترك السلطة في عام 1908، تعهد روزفلت بعدم الترشح لفترة رئاسية ثالثة، وعندما جرى تذكيره بذلك العهد الذي قطعه على نفسه في عام 1912، قال إنه كان يعني أنه لن «يترشح لفترة رئاسية ثالثة تواليا». وقد وصفت صحيفة «نيويورك تايمز» توضيح روزفلت بأنه «حذلقة مؤسفة»، وصوت الناخبون لصالح وودرو ويلسون.

وحدث مرة واحدة فقط أن تولى رئيس أميركي السلطة لفترة رئاسية ثالثة في عام 1940 عندما حدث ما وصفه جورج واشنطن بـ«حالة الطوارئ الشديدة». فعندما اندلعت الحرب العالمية خارج الديار، بينما كانت فترة الركود تضرب البلاد بشدة، أعاد الديمقراطيون تسمية الرئيس فرانكلين روزفلت لفترة رئاسية ثالثة، وألحوا عليه في عام 1944 للترشح لفترة رابعة رغم المشاكل الصحية التي كان يعاني منها، والتي كانت بالخطورة الكافية لترسله إلى مثواه الأخير بعد سنة واحدة قضاها في الحكم من فترة الرئاسة الرابعة.

وبالنسبة للجمهوريين، فقد استدعى إعادة انتخاب روزفلت لفترة رئاسية ثالثة الاتجاهات الفاشية التي كانت تسيطر على أوروبا في ذلك الوقت. وحذر ويندل ويلكي، عضو الحزب الجمهوري الذي كان خصما لروزفلت في انتخابات الرئاسة عام 1940، من ترشح روزفلت لفترة رئاسية ثالثة قائلا «سوف يتولى السلطة في ظل حكومة أميركية شمولية قبل أن تنتهي فترة الرئاسة الثالثة الطويلة».

وهذا ما دعا الحزب الجمهوري عام 1947، عندما كانت هناك أغلبية كبيرة لأعضائه في الكونغرس، إلى اقتراح وضع مادة خاصة بتحديد مدد الرئاسة بفترتين فقط في الدستور. وقد جرى إقرار تلك المادة عام 1951، وكان التعديل 22 كما يصفه كلينتون روسيتر، الذي كان واحدا من الخبراء السياسيين النابغين في ذلك العصر «صفعة سافرة لذاكرة فترة فرانكلين روزفلت». ويضيف روسيتر أن ذلك التعديل يعكس «انعداما صادما للإيمان بقدرات الناس في حسن التمييز والرأي الصائب».

وقد كان صائبا في رأيه، فقد صوت جميع أعضاء الكونغرس من الجمهوريين لصالح التعديل، بينما كان معظم من دعموا التعديل من الديمقراطيين مشرعين، وقد تخلوا عن فرانكلين روزفلت وصفقته الجديدة. وعندما نجحوا في تحديد مدد الرئاسة بفترتين فقط، قاموا بتقييد الديمقراطية نفسها.

لقد حان الوقت لأن نعيد السلطة إلى صاحبها. عندما كان رونالد ريغان يمارس مهام فترة رئاسته الثانية، روج بعض الأميركيين لفكرة إزالة القيد على فترات الرئاسة، وبذلك يكون بمقدوره الترشح مرة أخرى. لكن تلك الفكرة لم يكتب لها النجاح، غير أنها كانت صائبة من حيث المبدأ. ينبغي علينا أن نتخلص من أي شيء يقلل من أهمية زعمائنا ويقلل من أهميتنا نحن.

* خدمة «نيويورك تايمز»