الملايين يعانون في سوريا.. وأميركا لا تأبه

TT

دائما ما يتفاخر الأميركيون بأنهم يقدمون يد العون للمنكوبين. ولقد كانوا في الواقع أسخياء عندما ساعدوا الكثير من الشعوب والبلدان التي عانت من كثير من المشكلات، غير أنه يبدو أن الشعب الأميركي، وكذلك الحكومة، يشعرون بالرضا في مواجهة حالات المعاناة الإنسانية الهائلة. ولنتذكر رواندا وكمبوديا. وفي الآونة الأخيرة، وقف الرأي العام الأميركي موقفا سلبيا على مدى أكثر من عامين وهو يشاهد التدمير المستمر لدولة مثل سوريا، حيث قتل أكثر من 120 ألفا من المدنيين وترك أكثر من 6 ملايين بلا مأوى.

وفي سوريا، يحتاج أيضا تسعة ملايين شخص إلى مساعدات إنسانية. وهناك أكثر من مليوني سوري لاجئ في البلدان المجاورة. وحسب إحصائيات صادرة عن الأمم المتحدة، يتعذر على الوكالات الإنسانية في الوقت الحالي الوصول لأكثر من 3 ملايين آخرين. وكل هذه الأرقام تتزايد بشكل يومي. من ثم تأتي المطالبات الدولية العاجلة لتوجيه مزيد من المساعدات الإنسانية وتكثيف النشاط الدبلوماسي من أجل القضية السورية. ومع عدم وجود احتمال لتوجيه الغرب لأي نوع من المساعدات العسكرية لإنهاء الصراع، والاحتمال ضئيل للتوصل إلى حل تفاوضي، تعد المساعدات الإنسانية السبيل الوحيدة لمساعدة الملايين من المحاصرين لفترة غير معلومة، كما تعد اعترافا غير عادي بالفشل في إيجاد حلول سياسية.

لم يعرب الأميركيون بشكل جماعي عن قلقهم الكبير تجاه تلك المعاناة الإنسانية التي تشهدها سوريا، كما لم يمدوا أيديهم في جيوبهم بغية توفير المساعدات المطلوبة التي يحتاجها السوريون بشدة، حتى وكالات الإغاثة الإنسانية لم تسعَ لجمع الأموال بشكل جدي من الناس.

وعلى الجانب الآخر، تأتي غالبية المساعدات من الاعتمادات المتزايدة التي توفرها الحكومات المختلفة. وسهل غياب الدور الشعبي الأمر على إدارة الرئيس أوباما التي بقيت تؤدي دورا غير ذي قيمة على هامش التخاذل الدولي، ساعية إلى استصدار قرارات فارغة من الأمم المتحدة، في حين تفلت من أداء الواجب عن طريق توفير الأموال لتقديم المساعدة الإنسانية من دون أن تفعل المزيد لحل هذه القضية. حتى إن وزير الخارجية الأميركي لم يحضر المؤتمر الأخير الذي عقدته الأمم المتحدة لجمع التبرعات من بعض الدول في توفير المساعدات. وتبقى الحقيقة أن حكومتنا لا ترغب في حدوث ضجة من الشعب في ذلك الشأن.

ربما يقول البعض إن رد الفعل الشعبي الضعيف تجاه الكارثة السورية لا يبدو مستغربا. كما صدع رؤوسنا الطرح القائل بأن الأميركيين قد تعبوا خلال حربين، وأن هناك الكثير الذي يتعين القيام به في الداخل، كما يؤكد الرئيس أوباما دائما. يشعر البعض دائما أن الأميركيين يهدرون الكثير على مشاكل الآخرين. كما يبدو البلد منهكا أيضا من الحروب الضخمة المستمرة في البلدان المسلمة. وأصبحت المشاركة في الجهود الإنسانية بالنسبة للكثير من الأميركيين شيئا ينذر بالمتاعب، وربما يؤدي إلى الانزلاق في أتون تدخل عسكري جديد، فقد سمعوا صفارات الإنذار في كثير من الأحيان.

ويبدو أن كثيرا من المناصرين الذين دائما ما يشاركون بشكل كبير في الدعوة لتوفير المساعدات للمناطق ينأون بأنفسهم الآن عن المشاركة في توفير حلول للأزمة السورية. فالكنائس الإنجيلية، التي حثت الكثير من الرؤساء على توفير قدر أكبر من المساعدة لجنوب السودان، تبدو صامتة على نحو غير معهود تجاه معاناة الكثير من المسيحيين اليائسين في بلد سقط في غياهب النسيان. لماذا لا يهبون لمساعدة إخوانهم؟ وربما يسأل الكثيرون عمن ينبغي توفير المساعدة والدعم لهم في سوريا، وهو بلد يعاني من الانقسامات الطائفية التي تزداد عمقا بمرور الوقت. وقد عانى المسيحيون السوريون ويشعرون باليأس حول مستقبلهم في بلد يهيمن عليه المقاتلون، شأنهم شأن بقية الشعب السوري. وما زال يأتيهم غالبية الدعم من الرئيس بشار الأسد. بينما يبدو أن الكثير من الكنائس الأميركية تختار أن تبقى صامتة في عالم يقف كله ضد الأسد.

ماذا عن الجالية اليهودية في الولايات المتحدة؟ كانت ردود الفعل الصادرة عن المناصرين اليهود في طليعة الردود التي تصدر تجاه أزمات البلقان وفي أفريقيا، حيث ساهم هؤلاء في توفير الدعم للبوسنة وأيضا دارفور. وكان من بين الأصوات التي ساهمت في توفير ذلك الدعم إيلي فيزيل الذي لا يزال يدعو حكومة الولايات المتحدة لاتخاذ خطوات جادة، ولكن يبدو أن الكثير من اليهود ما زالوا يتخذون موقفا حذرا تجاه التورط في سوريا، كما أن استفادة إسرائيل الأمنية من زوال الأسد غير مؤكدة.

الكثيرون ممزقون في أميركا وغيرها بين الكارثة الإنسانية ورحيل الأسد ونظامه، ولكن يشعرون بالقلق حيال العمل العسكري، بما في ذلك إرسال المساعدات الإنسانية بشكل عسكري إلى الداخل السوري.

تبذل وكالات الإغاثة الإنسانية مجهودات غير عادية في سوريا والدول المجاورة لها، غير أنهم إما حاولوا وفشلوا في إثارة الرأي العام الأميركي، أو لم يرغبوا في توجيه نداء للشعب الأميركي لإغاثة سوريا. وتركز وكالات الإغاثة الرئيسة على طلب المساعدة من الحكومات الفيدرالية لصالح سوريا وإغاثة اللاجئين المنتشرين في المنطقة.

* زميل مؤسسة القرن (Century Foundation) وسفير أميركا السابق لدى تايلند

* خدمة «واشنطن بوست»