2014.. عودة أميركا

TT

سنة أخرى تستعد لتوديعنا؛ 2013 تجهّز نفسها للرحيل بعد أحداث كثيرة ومتشابكة ومتنوعة، منها ما كان مفاجئا، ومنها ما كان صادما وبامتياز كبير. والعالم الآن يحاول التقاط أنفاسه واضعا يده على قلبه ترقبا لاستقبال 2014 بحذر وقلق. سأحاول قراءة أهم المؤشرات «المتوقعة» للسنة المقبلة، وذلك بناء على معطيات وقراءة اتجاهات سياسية واقتصادية تتشكل وتتركب بهدوء.

المؤشر الأهم الذي سيؤثر بشكل واضح ومباشر على العالم أن أميركا قررت أن تكشر عن أنيابها اقتصاديا، وهذا بطبيعة الحال سيكون له أكبر الأثر الممكن توقعه وتقديره على العالم؛ فأميركا «تقلص» بشكل واضح من اهتمامها بمناطق، مثل الشرق الأوسط وأميركا اللاتينية وأوروبا، للتفرغ للمواجهة الباردة مع الدب الصيني، الذي ينمو بشكل مطرد، وتعلم أن نمو الصين مسألة حتمية، والمواجهة «المباشرة» ستكون صعبة، ولذلك ستلجأ أميركا «للتحكم» في مصادر الطاقة، التي هي محرك نمو اقتصاد الصين.

وهذا يفسر رغبة أميركا في احتضان إيران، حتى تضمن سيطرتها على قطاع كبير من الدول المنتجة للنفط، فإيران لديها إنتاج يبلغ أربعة ملايين برميل يوميا، وثاني أهم احتياطي نفطي، وتكثف أميركا بقوة استثنائية من إنتاجها من النفط الصخري، وخصوصا أنها صاحبة ثالث أكبر احتياطي منه في العالم (بعد الصين والأرجنتين، إلا أنهما لا يملكان التقنية اللازمة لاستخراجه)، وهناك نية واضحة لدى أميركا لأن تعيد نفسها كمركز مهم للصناعة، بعد أن فقدته لصالح دول الشرق الأقصى عبر السنوات الأخيرة.

ولكن عودة الصناعة لأميركا ستكون بشكل مختلف وصورة جديدة تعتمد فيها على تقنية مضاعفة ومزايا منافسة استثنائية، مثل الطباعة ذات الأبعاد الثلاثية التي ستلغي تماما عوامل الشحن والنقل من حسابات تكلفة التصنيع، وكذلك التطور في آليات التصنيع وتطور فعاليتها، فمثلا فتحت شركة «بي إم دبليو» مصنعا لها لصناعة هياكل السيارات في الولايات المتحدة، بتكلفة تفوق مائة مليون دولار، ويبلغ عدد العاملين فيه 16 عاملا فقط!

وكذلك الأمر بالنسبة للتوظيف المدني للطائرات بدون طيار (الدرون)، التي ستوظف في النقل (كما تعتزم ذلك شركة «أمازون» العملاقة للتسوق عبر شبكة الإنترنت، التي تعتمد إيصال طلبات عملائها بطائرة بدون طيار خلال 30 دقيقة بعد تقديم الطلب). وكذلك ستوظف القطاعات الأمنية والطبية والمرورية، مع عدم إغفال التطور الهائل الحاصل في تقنيات الغاز والكهرباء كمصدر للطاقة في السيارات بشكل سيؤثر، ولا ريب، على استهلاك النفط ونوعية الصناعات المستخدمة له.

وكذلك سيكون هناك نقلات نوعية في مجالات التقنية العالية والهندسة الوراثية، التي ستنعكس على الصحة ونوعية الحياة وجودتها. الأدوية التي ستنتج ستكون بمثابة قطع غيار للجسم، حيث ستتطور آليات الطباعة الثلاثية الأبعاد مع تطور الصناعة الدوائية، بحيث من الممكن تكوين أنف صناعي وأذن صناعية وغير ذلك من الأجهزة القابلة للاستبدال.

أميركا تضع اليوم نصب عينيها استعادة إرثها الاقتصادي، وتراهن على أنها تعافت من الأزمة الاقتصادية العالمية الكبرى، وتستمر في سياسة الخروج من الالتزامات العسكرية، وإغراق السوق العالمية بكمّ مهول من الدولارات المطبوعة، حتى يجري الإبقاء عليها كالعملة الدولية الأولى دون منافسة.

أميركا تكشر عن أنيابها الاقتصادية وبقوة، وسنرى أن عام 2014 هو عام العودة الأميركية كقوة اقتصادية لافتة، ولكن ستركز كل جهدها على السوق الآسيوية، التي سيصل عدد أفراد الطبقة المتوسطة فيها، بحلول عام 2020، إلى مليار وستمائة مليون نسمة، وهو رقم مغرٍ جدا ويسيل له اللعاب بالنسبة للشركات الأميركية المصنعة للمنتجات الاستهلاكية المختلفة. تبعات الحراك الأميركي «القوي» على الساحة الاقتصادية ستكون واضحة الملامح على العالم في مجالات العقار والعملات والمعادن والمواد الأولية وأسواق الأسهم. 2014 عام الانتعاش الاقتصادي.