شعب سوريا يذرف الدموع

TT

تحدث العالم عن أزمة إنسانية عندما شاهد حالات الموت المفاجئ للأطفال في الغوطة. تحدث الجميع علانية عن هذا الأمر، وأدان قادة القوى العظمى الحادث وأسرفوا في إطلاق التهديدات بالقيام بعمل عسكري ضد نظام دمشق. بيد أنه بمرور الوقت، خفتت هذه الأصوات وتراجعت القوى العظمى عن موقفها، ولم يعد هناك في أجنداتها ما يشير إلى هؤلاء الأطفال الذين قُتلوا أو الذين تعرضوا لمذبحة وحشية. وكان الشيء الوحيد الموجود في أجندتها هو الأسلحة الكيماوية. والآن، ينصب تركيز العالم على قضية واحدة، كما لو كانت المشكلة السورية، المستمرة منذ ثلاثة أعوام مضت، منحصرة فقط في مسألة الأسلحة الكيماوية، وكما لو أن جميع القضايا الأخرى المتعلقة بسوريا قد حلت في الوقت الراهن على ما يبدو. والسؤال الذي يطرح نفسه في الوقت الراهن: أين سندمر الأسلحة الكيماوية؟

لو أردنا الحديث عن المآسي المسكوت عنها منذ شهر أغسطس (آب) من هذا العام، سنجد أن الحرب الأهلية في سوريا تتناقض مع المعتقدات السائدة، فهي ليست حربا بين المعارضة والنظام وفقط. فالمعارضة في سوريا مقسمة إلى أكثر من 1000 جماعة، وهناك حروب أهلية داخل الحرب الأهلية. والجماعة الوحيدة الراغبة في تطبيق الديمقراطية هي الجيش السوري الحر. عدا ذلك، تعتزم كل جماعة أخرى فرض قواعد آيديولوجيتها أو مذهبها أو عرقيتها الخاصة. وبناء على ذلك، تكون بدائل الديكتاتورية بدائل مخيفة مثل الراديكالية أو الشيوعية أو الفاشية وغيرها، التي تستغل كوسيلة للسيطرة في سلسلة من التحالفات الغامضة.

ما نحن بصدد مناقشته الآن حال السوريين الذين فقدوا منازلهم ومدارسهم وأعمالهم ورواتبهم والعالقين وسط القتال الدائر الذي تتصارع فيه جماعات مختلفة. هؤلاء في الحقيقة خسروا بلدهم في وقت تناسى فيه العالم أمرهم.

لقد تجاوزت أعداد النازحين داخل سوريا مؤخرا خمسة ملايين شخص، كما غادر البلاد أكثر من ثلاثة ملايين آخرين. هؤلاء اللاجئون يتركزون في أربع دول هي تركيا ولبنان والأردن والعراق. وتركيا لا تتلقى مساعدات من الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الموجودين فيها الذين يصل عددهم إلى مليون شخص أو قريب من هذا الرقم. وباستثناء قلة قليلة أعربت عن معارضتها لهذا الموقف، أصرت الحكومة التركية والشعب التركي على موقفهم بشأن الاعتراف باللاجئين عقب الهجوم الذي شُن ضد محافظة هاتاي وأودى بحياة 52 شخصا. وقد أنفقت تركيا نحو ملياري دولار أميركي على اللاجئين السوريين على مدار الحرب الأهلية السورية المستمرة منذ سنتين. ووفقا لأحدث الإحصائيات، هناك 33 ألف لاجئ سوري يتلقون الرعاية الطبية في تركيا، بينما جرى قيد 42 ألف طفل في المدارس، كما يشارك في الوقت الحالي 27 ألف شخص بالغ في البرامج التعليمية. وعلاوة على ذلك، تنتشر مخيمات اللاجئين بطول حدود تركيا مع سوريا التي يصل طولها إلى 900 كيلومتر. ويعتبر مخيم كيليس للاجئين، حيث يعيش اللاجئون في حاويات جرى تحويلها للسكن تحتوي على غرفتين ومطبخ ومرحاض، من أفضل المخيمات. دعنا لا ننسى، على الرغم من ذلك، أنه ليس لدى كل الدول نفس الموارد.

أما بالنسبة لأحوال المخيمات الموجودة داخل سوريا، فتقول فاليري آموس، مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسقة الإغاثة في حالات الطوارئ، إن الأمم المتحدة لا تتخذ الإجراءات الكافية تجاه سوريا وتطالب المتطوعين بالقيام بذلك. وأشارت آموس إلى أن المساعدات لا تصل إلى المدنيين المحاصرين. فضلا عن خضوع المدارس والمستشفيات في سوريا لسيطرة الجيش، وهو ما يشكل صعوبة في مرور المساعدات بشكل فعال عبر هذه المناطق. ويعيش مليونان ونصف مليون شخص في هذه المناطق تحت الحصار ولا يمكن ضمان وصول أي مساعدات إنسانية إليهم. والأدهى من ذلك أنه يتعين على اللاجئين من أجل الحصول على رغيف خبز أن يواجهوا مخاطرة التعرض للقصف الشديد.

تدخل سوريا الآن الشتاء الثالث من الحرب الأهلية، وليس لدى السوريين هناك أي استعدادات لاستقبال فصل الشتاء، بيد أن المشكلة الحقيقية تتمثل في الجوع، حيث يواجه خمسة ملايين شخص خطر التعرض للمجاعة، حيث يتعين على الأشخاص أن يتناولوا الطعام غير النظيف أو حتى الحشائش أو أوراق الشجر. وعلاوة على ذلك، لم تصل مياه الشرب إلى السكان منذ عام، أما المياه الصالحة للشرب فملوثة بمياه الصرف الصحي نتيجة لتدمير البنية التحتية. وعليه، فإن النتيجة الحتمية لهذا الأمر هي الإصابة بالإمراض المعدية. لقد صارت الجروح المتقرحة ومرض السل من الأمراض الشائعة بين الأطفال، ويدق ناقوس الخطر اكتشاف مرض شلل الأطفال لدى 12 طفلا من بين كل 22 طفلا قامت الأمم المتحدة بفحصهم.

وفي سياق متصل، أُجبر ثمانمائة مدني على النزوح من منطقة المعضمية في دمشق، التي تخضع لحصار النظام في الشهور الأخيرة. وكان السبب وراء ذلك هو أن الأشخاص في تلك المنطقة يتعرضون للموت جوعا. ومن بين التفاصيل الأخرى الأكثر رعبا أن 90 في المائة من هؤلاء الأشخاص كانوا أطفالا.

لقد انهارت البنية الأساسية الصحية بالكامل تقريبا بجانب انهيار الدولة، فقد جرى تدمير 40 في المائة من المستشفيات، فيما لم تعد المستشفيات المتبقية قادرة على التعامل مع الأوضاع الحالية. فضلا عن أن الحصول على الأدوية بات ضربا من الخيال.

إذا لم تكن وحشية الحرب الأهلية كافية، فإن سوريا تذرف أيضا الدموع على وفاة أربعة أشخاص يوميا بسبب الجوع. إن «الموت في سوريا» لا يعني الأسلحة الكيماوية وحدها، فلم تكن تلك الأسلحة سوى علامة لقياس مدى الرعب في سوريا. لا يزال الشعب في سوريا يذرف الدموع والدماء في الوقت الراهن في الوقت الذي لم تعد فيه الأسلحة الكيماوية، حسبما هو مزعوم، موجودة. وعلى الرغم من استثمار العالم مليارات الدولارات في الأسلحة، وتخصيص مليار دولار لتدمير الأسلحة الكيماوية وحدها، يعاني الشعب من الجوع بسبب عدم وجود رغيف الخبز. وفي هذا الصدد، فإن السؤال الذي لم يُثر هو: لماذا يقف العالم مكتوف الأيدي يشاهد وفيات الأطفال نتيجة نقص الغذاء.

ينجح الأشخاص السيئون في أن يكونوا حلفاء جيدين، لكن ما يهم هو تحالف الشعوب الجيدة. فعندما تتحالف الشعوب الجيدة، ستعود المبادئ التي تناساها الكثير من الناس، مثل الأمور الإنسانية والحب والإيثار، إلى الواجهة على الفور. حينئذ سيُدرك الجميع أن العالم متسع تماما بالشكل الكافي وأن البشرية غنية والأراضي خصبة بما يكفي. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الأشياء التي تكون مستحيلة على مستوى الأفراد، تعد سهلة في وجود التحالفات الجيدة. عندما تتحد الشعوب الجيدة وتفتح بلادها وبيوتها وقلوبها لضيوف الله - عز وجل، فسوف يرون الرخاء الناتج عن ذلك من حيث لم يحتسبوا أو يتخيلوا. قد لا يكون من السهل بالنسبة لنا فهم حال المشردين أو الذين بلا مأوى ولا وطن أو الذين يعيشون في خوف شديد، بيد أننا جميعا ندرك هذا الإحساس عندما يتحدث إلينا صوت الضمير. ينبغي على دول العالم، والإسلامية على وجه الخصوص، طرح مبادرة للحشد بشكل رئيس لتقديم العون للاجئين في جميع أرجاء العالم. والشعب السوري ينتظر رد فعلنا إزاء ذلك.