أحلام إيران الصدامية ووراثة أميركا في الخليج!

TT

يحاول الإيرانيون وراثة مطامع صدام حسين، أو بالأحرى أوهامه، حيال دول «مجلس التعاون الخليجي»، فقد سعى دائما إلى فرض العراق عضوا في المجلس بهدف ابتلاعه والهيمنة عليه. لكن منذ إنشائه عام 1981، حرص المجلس على أن يبقى في إطاره الخليجي، مؤسسة تقوم على التعاون بين أعضائه وتعمل على تعميق وترسيخ تلك المسيرة، التي تهدف في النهاية إلى قيام اتحاد يعكس على الأقل روح الكونفدرالية.

كان واضحا منذ البداية أن الغاية الأساسية من قيام المجلس هي توحيد الصف الخليجي بما يعطيه قوة ومنعة، ويجعل منه كتلة وازنة تملك كل المقومات الضرورية لمواجهة الأخطار والتحديات المتزايدة، في منطقة تتقاطع فيها مطامع قوى إقليمية مندفقة ومتهورة، وخصوصا أن الثروة البترولية أججت الشهيات وظهرت دول المجلس كتفاحة يسيل لها اللعاب، في حين تزايدت المطامع الصدامية من جهة والاندفاعات الثورية الإيرانية من جهة ثانية، وهو ما أكد حتمية قيام المجلس كإطار جامع وموحد، يمثل ضرورة حيوية لاكتساب عناصر المنعة والقوة ومواجهة الاستهدافات المتزايدة.

رغم كل هذا، لم تكن الحاجة إلى رص الصفوف وتوحيد المواقف ملحة كما هي الآن، غداة سلسلة من التطورات السياسية والاستراتيجية الداهمة، ولهذا بدت قمة مجلس التعاون في الكويت محطة تاريخية على حافة مفترقات إقليمية ودولية مهمة جدا، ذلك أن الاتفاق النووي مع إيران فتح بوابة واسعة على احتمالات مقلقة تزامنت مع تحول في الأولويات الاستراتيجية الأميركية واضطراب في الدول العربية بعدما تحول ربيعها لسلسلة من الصراعات الدامية.

عشية بدء القمة في الكويت، تعمدت طهران ترتيب جولة خليجية لوزير خارجيتها محمد جواد ظريف، بدت كأنه تهدف إلى تقطيع العصب الخليجي المتحفز لمواجهة الإسقاطات الإقليمية المحتملة للاتفاق النووي، من خلال إثارة عاصفة من النيات الحسنة والإيحاء بضرورة فتح البوابات أمام التعاون مع طهران على قاعدة الثنائية، التي من شأنها إضعاف وحدة النظرة الخليجية إلى الأخطار الإيرانية بعد تاريخ من التدخلات السافرة في الشؤون الداخلية لمعظم دول مجلس التعاون، التي سجلت سلسلة من العمليات التخريبية الممتدة من البحرين إلى فلسطين ولبنان، مرورا بالعراق والكويت والإمارات والسعودية، وسوريا حيث تنخرط في الحرب إلى جانب النظام.

قبل يومين من القمة، شكل «منتدى البحرين» للأمن الإقليمي منبرا لإطلاق رسائل متناقضة إلى الزعماء الخليجيين، فمن جهة ارتفعت تطمينات أميركية وبريطانية لتهدئة القلق المتزايد من «اتفاق الغفلة»، بعدما تبين أن أميركا وإيران انخرطتا منذ فترة في محادثات سرية عقدت في سلطنة عمان عضو مجلس التعاون، من دون أن تبادر واشنطن أو مسقط إلى إطلاع الإخوة والحلفاء على ما يجري، وهو ما عمق الشكوك، ووسع إطار العتب والقلق، ومن جهة ثانية ارتفعت مواقف بدت كأنها عملية دس للقنابل بهدف تفجير القمة وتفكيك عرى مجلس التعاون!

الوزيران تشاك هيغل وويليام هيغ، حرصا على تكرار التطمينات للحلفاء الخليجيين بأن الاتفاق مع إيران لن يؤدي إلى التخلي عن الالتزامات حيالهم، ولا يعني قبولا بأي تفعيل للعبث الإيراني بشؤونهم الداخلية، وأن العلاقات الأمنية والسياسية لن تتغير بل ستتعزز، لكن هذا الكلام بدا بلا معنى إزاء قول باراك أوباما أمام مركز سابان في «بروكينغز» إن نسبة نجاح الاتفاق مع إيران لن تتجاوز 50%، وإن الحديث عن تفكيك البرنامج النووي الإيراني ليس واقعيا!

الرياح الباردة هبت من عمان عندما وقف يوسف بن علوي ليعلن أن عمان تعارض الاتحاد بين دول مجلس التعاون وأنها لن تمانع في الأمر، لكنها ستنسحب من المجلس إذا قرر التحول إلى اتحاد. في حين كان الأفضل معالجة هذا الموقف تحت الطاولة الخليجية على غرار رعاية المفاوضات الإيرانية - الأميركية، فقد جاء كلامه ردا واضحا على دعوة نزار مدني إلى أن تكون دول الخليج يدا واحدة في مواجهة المخاطر في المنطقة، فالدعوة إلى الاتحاد تعبير عن ضرورة أمنية وسياسية واقتصادية واسترتيجية ملحة، لكن الأمير تركي الفيصل علق بالقول إن من حق عمان التعبير عن رأيها، لكن قيام الاتحاد حتمي، سواء التحقت به الآن أو في المستقبل.

ما يزيد من عنصر المفاجأة في الموقف العماني، إحساس البعض بأنه ربما يعكس رغبات إيرانية، ذلك أن حسن روحاني ينظر إلى مجلس التعاون كمؤسسة فاشلة، وهو لا يتوقف عن الرغبة في وراثة أطماع صدام حسين، بل يذكر بأن إيران اقترحت عام 1990 تحالفا إقليميا موسعا يضم العراق وإيران إلى دول مجلس التعاون، بما يعني أن طهران تريد وراثة صدام ومن ثم النفوذ الأميركي بالهيمنة الإقليمية.. لكنه حلم لن يتجاوز أوهام صدام حسين البائدة!