إحياء الميتَين

TT

والميتان هما.. أغرب وأعجب بحر على سطح الكرة الأرضية، ويحمل هذا الاسم حسب ما تعلمناه في الصفوف الابتدائية لشدة ملوحته، فلا يمكن لأي كائن حي أن يعيش فيه.

ثم إن هذا البحر الواقع تحت سطح البحر، ويجاور واحدة من أقدم مدن التاريخ (أريحا) له ميزة تتصل بالموت، فهو يشبه عملية السلام من نواحٍ كثيرة، أهمها أنه مهدد بالجفاف التام، وأن محاولات تجري لإنقاذه وتحويله من بحر ميت لا محالة إلى بحر يضج بالحياة، ويدر ماء ودخلا على مشاطئيه وهم ثلاثة أطراف.. حتى الآن، الأردن، إسرائيل، فلسطين، وستتقاسم الأطراف الثلاثة مزاياه الواعدة، ذلك بعد أن تصل أنابيب ضخ المياه من البحر الأحمر، الذي ستجري تحلية مياهه لإرواء عطش الأطراف الثلاثة، التي وقعت اتفاقية بهذا الشأن في واشنطن.

الأردنيون والفلسطينيون تحدثوا عن هذا الأمر بأقل قدر من الترويج والاحتفاء، تاركين المهمة في ما يبدو للسيد سلفان شالوم وزير العلاقات الدولية الإسرائيلي.

سلفان شالوم ولأغراض انتخابية تنافسية وصف ما حدث بالإنجاز التاريخي، فهو سيؤدي وبضربة واحدة إلى حل مشكلات المياه في أكثر بلدان العالم احتياجا إليه، ثم إنه سينقذ البحر الميت من الجفاف، من خلال كميات المياه التي ستضخ إليه من البحر الأحمر عبر أنابيب تنقل 100 مليون متر مكعب في السنة.

الإسرائيليون اعتبروا أن تحلية المياه بالقدر الذي ستوفره المحطة الضخمة المزمع إنشاؤها أمر جيد، وأن إيصال 100 مليون متر مكعب من الماء لا يمكن وصفه بالإنجاز التاريخي، لأن البحر الميت وكي يحافظ على منسوبه الحالي دون زيادة أو نقصان فإنه يحتاج إلى مليار متر مكعب في السنة، أي أن ما سيصل سيخفف منسوب الجفاف المتزايد بما لا يزيد عن 10%.

ولقد تشكلت جبهة ممانعة إسرائيلية «ضد المشروع» الذي تراه كارثيا على صعيد المضاعفات التي لا بد وأن تنجم عن خلط مياه البحر الأحمر بمياه البحر الميت، بحيث تنمو طبقة كلسية مدمرة تجعل جفاف البحر أقل سوءا من ضخ مياه غريبة عنه.

ولأنني لست خبيرا لا في المياه ولا في المضاعفات الناجمة عن خلطها، إلا أنني وجدت مقاربة معقولة بين ما تم الاتفاق عليه بشأن إعادة إحياء الماء بالماء، وبين ما يجري طبخه لإيجاد اتفاق لإحياء السلام المحتضر، ولو بحقنة الـ10% التي سينالها البحر الميت لتأخير جفافه.

حصة الفلسطينيين في مشروع إعادة إحياء الماء بالماء توازي حصتهم في المياه، فبعد أن تخرج القدس ومحيطها الذي حددته إسرائيل من توزيع حصص الأرض في التسوية المتدرجة التي يتحدث عنها الأميركيون ويسعون لفرضها، وبعد أن تحصل المستوطنات الباقية على المساحة الضرورية لنموها الطبيعي، وبعد أن تحتفظ إسرائيل بغور الأردن، استيطانا أو احتلالا أو استئجارا، وبعد أن تقتطع مرتفعات لحماية مطار بن غوريون من القصف المحتمل، مضافا إليها مساحات الأرض الضرورية لحرية حركة المستوطنين واتصالهم الحيوي بالمدن الإسرائيلية، فسوف يبقى للفلسطينيين (هذا إذا كانوا محظوظين) من الأرض نسبة توازي ما سيحصلون عليه من الماء، بذلك يكون المحتضر الأول الذي هو عملية السلام قد وجد حقنة حياة حتى إشعار آخر، مثلما يجد المحتضر الآخر البحر الميت، حقنة حياة تؤجل جفافه بضع سنين ليست كثيرة على كل حال.