قمة الكويت: الحاجة لتأسيس جديد

TT

بدأت فكرة مجلس التعاون الخليجي من الكويت، وتداول بشأنها الشيخ جابر الأحمد الصباح مع الشيخ زايد في أبوظبي في السبعينات، وظهر المجلس للنور من الرياض مطلع الثمانينات، ولقد كان حجم المصالح المشتركة وحجم التداخل الثقافي والاجتماعي مع ضخامة التحديات والمخاطر ضد دول الخليج الست دافعا مهما لقادة دول الخليج في تلك الفترة لإنشاء مجلس التعاون.

أثبت مجلس التعاون الخليجي قدرته المميزة على تجاوز كثير من الأزمات الإقليمية والتحديات الخطيرة التي واجهها على مدى أكثر من ثلاثة عقود، كان من بينها ثلاث حروب كبرى، منها الحرب العراقية الإيرانية التي امتدت لثمانية أعوام في الثمانينات، ومنها غزو صدام حسين للكويت مطلع التسعينات وإخراجه منها راغما بتحالف دولي، وكذلك الحرب الدولية لإسقاط نظام صدام حسين في 2003، فضلا عن تحديات أخرى لا تقل شأنا.

القادة الناجحون قادرون دائما على تأسيس النجاح، ومع ضخامة المشتركات بين شعوب المجلس والمصالح بين دوله، واستشعار الجميع للأخطار المحدقة، يصبح الاتجاه للبحث عن مزيد تكامل يضمن الفعالية والتأثير أمرا يجب أن يكون على رأس الأولويات.

يعلم الكثيرون حجم الخلافات وتباين الرؤى في الكثير من القضايا بين دول المجلس، وذلك أمر طبيعي، ولكن التحالفات الإقليمية المهمة على طول التاريخ وعرض الجغرافيا لم يكن لها أن تنجح لولا القدرة البارعة للدبلوماسية على إيجاد الصيغ والآليات والرؤى التي تجمع المشتركات لتحقيق أكبر المصالح وكذلك إيجاد الصيغ والآليات والرؤى التي تمنح مساحة للخلافات والتباينات وصولا للهدف المنشود.

إن التحالفات الناجحة لا تصنعها المصالح فقط، بل والمخاوف أيضا، والأمران معا متوافران في حالة دول الخليج، باستثناء واحدة كانت سياساتها منذ إنشاء المجلس تعتمد على النأي بالنفس ومخالفة دول المجلس في كثير من القضايا الإقليمية، ومع ذلك استطاع المجلس التعامل مع سياساتها ومواقفها، وربما من الجيد محاولة تفهم مخاوفها أو أسباب اختلافها – ولا أقول خلافها - والتعامل معها بدبلوماسية واعية ومتفهمة تطمح لتهدئة تلك المخاوف وتعديل ذلك الاختلاف.

باستثناء تلك الدولة فإن دول الخليج الأخرى مجمعة على عدم الثقة في سياسات الجمهورية الإسلامية في إيران، ومجمعة على أن تلك السياسات تستهدفها بشكل أو بآخر إنْ عبر الاحتلال المباشر لبعض الجزر كما هي حالة دولة الإمارات العربية المتحدة، وإنْ عبر الأطماع المستمرة والمعلنة والتدخلات السافرة في شؤونها الداخلية كما هي حالة مملكة البحرين، وإنْ عبر خلايا التجسس والتخريب ودعم تنظيمات العنف والتفجير كما هي حال بقية دول المجلس. وهذا الخطر الإقليمي يمتد ويبسط ذراعيه عبر قنطرة التوسع والنفوذ وفرض الهيمنة إلى عدد من الدول العربية التي تعد امتدادا لدول الخليج العربي، كالعراق وسوريا ولبنان واليمن وقطاع غزة في فلسطين.

دول مجلس التعاون الخليجي تقود فعليا العالم العربي اليوم بعد خروج العراق وسوريا من المعادلة الإقليمية وخضوعهما للسيطرة الإيرانية، وانشغال مصر حتى بعد افتكاكها من جماعة الإخوان المسلمين بالتحديات الداخلية وضمور دورها الإقليمي، وهذه القيادة تستوجب قدرة أكبر على تحمل ذلك العبء الكبير والمسؤولية الجسيمة.

معلوم أن المملكة العربية السعودية بثقلها الإقليمي والدولي ستتحمل الجزء الأكبر من ذلك العبء وهذه المسؤولية، وهي نجحت من قبل وعبر تاريخها في مواجهة تحديات لا تقل خطورة في مراحل متعددة.

لقد كان من الجيد توطيد علاقات المجلس ببعض الدول العربية كالأردن والمغرب واليمن، وهي خطوة بحاجة لمزيد تعزيز وتوسيع لبناء تحالف إقليمي فاعل في منطقة مضطربة.

إن الأردن واليمن يشكلان عمقا مهما لدول الخليج، فالأول أثبت عبر سنوات طوال أنه صديق يحظى بالثقة ويمكن الاعتماد عليه، والثاني يمثل عمقا استراتيجيا حقيقيا لدول الخليج، وقد استطاعت دول الخليج تقديم خطة له لتجاوز تبعات ما كان يعرف بالربيع العربي، ولكن تلك الخطة بحاجة لمزيد رعاية وعناية، بل هي بحاجة لما يشبه مشروع «مارشال» كبير لإنقاذه من حالة الفوضى وعدم الاستقرار وترسيخ استقرار الدولة وفرض هيبتها بحيث تكون قادرة على نفي خبث التدخلات الإيرانية عبر الحوثيين والقضاء على تنظيم القاعدة الذي لم يزل يجد فيها موئلا وملتجأ لنشر ما يتقنه من تخريب ودمار في الدول العربية والعالم. إن نجاح العملية السياسية في اليمن شديد الأهمية والتأثير، فانتقاله لدولة تفرض سيادتها على أرضها وتمتنع عن أي اختراق خارجي يزيد دول الخليج أمانا وقوة في العالم والمنطقة حاضرا ومستقبلا.

وكمثال فقط في هذا السياق على الخطر الذي يمثله تنظيم القاعدة، فقد نقل التلفزيون اليمني الأسبوع الماضي صور تفجير التنظيم لمدخل مستشفى وزارة الدفاع، ومن ثم اقتحام بعض عناصر التنظيم له، وكيف قتلوا بكل وحشية الأطباء والممرضات والمرضى والزائرين، أطفالا ونساء، بالأسلحة الرشاشة والقنابل اليدوية بهدف إبقاء اليمن دولة غير مستقرة، ومثله تفعل تنظيمات العنف الديني في سوريا، حيث ترتكب أبشع الجرائم وتشوه قضية الشعب السوري وتقتله، ومثله ما تصنعه جماعة الإخوان المسلمين بمصر، وآخرها تفجير معسكر للأمن المركزي في الإسماعيلية تبعه تبادل لإطلاق النار في تشابه مع ما جرى باليمن.

أخطر من تنظيم القاعدة هو «قعدة القاعدة» أو تيارات الإسلام السياسي في الخليج التي تبرر للتنظيم جرائمه بشكل مباشر أو غير مباشر، وهؤلاء يجب أن يكونوا من صميم اختصاص «الإنتربول الخليجي» حسب ما جاء في البيان الختامي لقمة الكويت في المادتين: 19 و20؛ فقد جاء في المادة التاسعة عشرة: «بارك المجلس الأعلى قرار إنشاء جهاز للشرطة الخليجية لدول مجلس التعاون، مؤكدا أن إنشاء هذا الجهاز سوف يعزز العمل الأمني ويوسع مجالات التعاون والتنسيق المشترك بين الأجهزة الأمنية في دول المجلس ومكافحة الإرهاب».

أخيرا، ففي الوقت الحالي تواجه دول الخليج تحديات جساما لا تقل بحال عن تلك التي كانت زمن التأسيس، ففي عالم تضطرب فيه التوازنات الدولية وتتفشى فيه الاضطرابات الإقليمية وفي لحظة تاريخية استثنائية تشهدها المنطقة والعالم يصبح المجلس مطالبا وبإلحاح بإيجاد صيغ أكثر تطورا لدوره إنْ عبر تطويره الاتحاد وإنْ عبر استراتيجيات فاعلة تضمن قوة التأثير في المشهد الإقليمي والدولي، وبكل الأحوال فالحاجة ماسة لتأسيس جديد للمجلس.

[email protected]