نفير التوظيف ونفير الهجرة

TT

قبل نحو ثلاث سنوات انكشفت إحصاءات مزعجة عن نسبة البطالة بين خريجات الجامعة من السعوديات، بل حتى من حملة الشهادات العليا، مشمولة بضعف توظيف حتى العائدات من برنامج خادم الحرمين للابتعاث الخارجي من أميركا وأوروبا. وكان الأكثر إزعاجا، بطالة ذوات التعليم المتوسط، لأنهن بلا مهارات ولا تدريب. تراكم العدد، مضافا إليه الجرعة السنوية من الخريجات، فكان الحل الطبيعي، والمتأخر، هو فتح باب التوظيف في قطاعات غير التعليم والصحة التي أتخمت حتى رأسها، أو حتى توسيع العمل داخل هذين القطاعين في وظائف فنية وإدارية لم تكن مدرجة ضمن قائمة الوظائف السائدة عرفا.

أكبر صعوبة واجهت الدولة لتوظيف الفتيات ليس شح الوظائف، كما يحصل في كل بلدان العالم، إنما كان مقاومة الانفتاح المهني، إن صح التعبير، أي إيجاد صور جديدة من الوظائف. هذه الصعوبة انحصرت في رفض المجتمع السعودي المحافظ تولي السعوديات أعمالا فنية، أو تسويقية أو إدارية تحتم عليها الظهور العام أمام الناس. أي أن الإناء تضخم بحكم الإضافة الموسمية من العاطلات وبحكم ما يعتري الأفكار الجديدة من معوقات، ولا متنفس للضغط، فازدادت البطالة رغم المحاولات الحثيثة والخطوات الصغيرة إلى الأمام.

هذا موضوع طال النقاش حوله ولا يزال يستحق الكثير، إنما لأن الشيء بالشيء يذكر، كان من الجدير التفكر في أخبار واردة من سوريا تقول بتوجه سعوديات للجهاد ضد نظام بشار الأسد. والعبرة في الحقيقة ليست في الهجرة أو ما يسمونه النفير، لأنها تظل حالات شاذة لا قيمة لها في الميزان، إنما المفاجأة أن شخصيات دعوية واجتماعية سعودية كانت أحد حواجز المرور في سبيل توظيف السعوديات في أماكن عامة صفقوا بشدة لنفير بعضهن إلى سوريا، في أجواء وظروف لا يمكن وصفها سوى بأنها مرتع للفتنة والمخاطر الأمنية والأخلاقية. هذا التصفيق والتشجيع ماذا يمكن أن نسميه؟

لماذا من وجهة نظرهم لا يجوز أن تعمل المرأة السعودية بشكلها المحافظ في أماكن عامة معروفة وتحت أعين الناس وفق قانون العمل، في حين أن سفرها واختلاطها مع رجال من مختلف الجنسيات، بلا رقيب ولا راع ولا مرجع، في ظروف الحرب التي يتلاشى فيها الإيثار وتحل محله الأنانية وإشباع الحاجات، أمر يستحق الإطراء؟

تفقد شخصيات المجتمع المعروفة بنصح الناس وتوجيههم كل ثقة الناس برأيها، إن هي تلونت أو كالت بمكيالين. لا يمكن أن يدافع العاقل عن بريء ومجرم في الوقت نفسه، فالثبات على المبدأ جزء لا يتجزأ من الشخصية المتزنة. الأسماء القليلة من السعوديات التي وجهت لهن تهم دعم تنظيم القاعدة أو الوساطة في تمويل العمليات الإرهابية توجهن لليمن للانضمام لفريق تنظيم القاعدة هناك، هذا العمل فيه رد كاف على من كان محتجا على سجن هؤلاء أو التحفظ عليهن بأن الإرهاب لا يعرف جنسا، ومن ناحية أخرى فإن دوافع الخروج لليمن أو إلى سوريا التي يجري التصفيق لها هي في حقيقتها مهينة لكرامة المرأة السعودية، التي تنضم لفئة إرهابية تحضر لهم الطعام وتغسل ثيابهم، في صورة من أسوأ صور الاستغلال والامتهان.

شخصيا، لا أجد لهذا الخروج أي أهمية عدا كونه فرصة لكشف حقيقة المحرضين ضد تمكين المرأة السعودية وظيفيا وتعليميا، ومن جهة أخرى أراه أمرا مقلقا إذا علمنا أن المرأة بنهاية الأمر تعبر عن شخصيتها كزوجة وكأم من خلال العاطفة والتربية، وهذا يعني أن المجتمع يواجه خطر «تدجين التطرف» داخل البيوت، فكل أمرأة منحرفة عقديا وفكريا هي في حقيقتها مصنع لإنتاج أمثالها.