خريف سياسي وربيع سينمائي!!

TT

ضباب يملأ سماءنا العربية، المشهد السياسي الذي تعيشه بلدان ثورات الربيع العربي الذي بات البعض من فرط تشاؤمه - ولست بالمناسبة منهم - يطلق عليها الخريف، أصبح ملبدا بالصقيع والثلوج حتى المناخ في مصر لم نعتد عليه من قبل بكل هذه القسوة، الأجواء السياسية أصبحت تنذر بكثير من المخاطر، إلا أننا في المجال السينمائي صارت سماؤنا صافية مرصعة بالنجوم.

جاء مهرجان «دبي» وهو مسك الختام للمهرجانات العربية، ليضعنا أمام رؤية بانورامية لحالة السينما، المهرجان لا يعرض ما سبق وأن شاهدناه مثلا في «أبوظبي» و«مراكش» و«وهران» وغيرها إلا أن ما قدمه لنا عربيا أشعرني بالاطمئنان، مثلا السينما السورية من خلال واحد من أهم مخرجيها محمد ملص يقدم فيلمه الروائي «سلم إلى دمشق» لم تكن الثورة هي فقط قضيته، ولكن الحرية هي الهدف، واليمن في فيلم تسجيلي طويل «بيت التوت» للمخرجة سارة إسحاق، حيث شعرنا بهذا التماثل بين مذاق الثورة النبيل وعمر ثمرة التوت القصير، التي إذا لم نقطفها في أوانها تذبل ثم تسقط وتختلط بالتراب، واللبنانية زينة دكاش تقدم «يوميات شهر زاد» ترصد حياة عدد من السجينات تروي كل منهن قصتها مع السجن، وأيضا «عمر» الفلسطيني الذي كان هو الفيلم الأبرز للسينما العربية هذا العام، حيث حصل على جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان «كان» في قسم «نظرة ما»، ومخرجه هاني أبو أسعد استحق في «دبي» جائزة الأفضل، نتابع في الفيلم حياة مقاتلين بعيدا عن تلك الصورة النمطية التي دأبنا على تقديمها، هاني قدم لنا قبل ذلك فيلمه «الجنة الآن» محطما «الكلاشيه» للفدائي الفلسطيني فهم بشر وليسوا ملائكة.

المغرب يطل بأكثر من فيلم ومع واحد من أهم مخرجيها جيلالي فرحاتي، الذي قدم من قبل «شاطئ الأطفال الضائعين» لنراه متألقا في «سرير الأسرار»، هناك أيضا لمحات خاصة للإخراج الجماعي في مجال الفيلم الروائي الطويل مثل «وينن» اللبناني وتعني أين هم؟، شارك في إخراجه سبعة مخرجين، الحالة التي من الممكن أن نتوقف أمامها بفرح ممزوج بالدهشة هي أن 40% من أفلام المهرجان كما رصدها المدير الفني الناقد والمخرج مسعود أمر الله مصنوعة بأيدي وفكر نسائي، بالتأكيد المهرجان لم يتعمد ذلك ولكن هناك شيئا ما يستحق أن نرصده على المستوى العربي، وهو أن المرأة صارت هي العنوان الأبرز سينمائيا، مثلا المملكة العربية السعودية بل والخليج العربي كله دخل لأول مرة في الأوسكار للترشح لأفضل فيلم أجنبي من خلال فيلم «واجدة» لهيفاء المنصور، وليس لدى في الحقيقة تفسير ولا أميل أساسا إلى الإطلال على العمل الفني من خلال تلك الرؤية الضيقة فلا يوجد في الإبداع رجل وامرأة، إلا أن زيادة نسبة المشاركة النسائية في الإخراج السينمائي، تضعنا أمام تساؤل يبحث بالضرورة عن إجابة. السينما المصرية أيضا ليست بعيدة عن هذا الزخم النسائي، الذي بات هو الأكثر حضورا، وفي الوقت الذي نرى فيه تراجعا ملحوظا على مستوى كم الإنتاج كما أننا نشهد هجرة جماعية لكبار النجوم إلى الشاشة الصغيرة، نلمح هذا التدفق إلى إنتاج أفلام روائية تحمل روح المقاومة، يكفي أن أذكر لكم أن بعضها لم تزد تكلفته على 15 ألف دولار، وشارك في مهرجان «دبي» مثل فيلم «أوضة الفيران» الذي صنعه ستة من المخرجين الجدد نصفهم من النساء. نعم بقدر ما نرى غيوما سياسية تحجب الرؤية بقدر ما نرى سماء السينما العربية صافية تتلألأ بالنجوم.