شهادة أحمد أبو الغيط

TT

من المهم، بل والضروري، أن يسجل العلماء والمفكرون وكل صاحب تجربة في مجاله شهادته على عصره لكي يحفظها من الضياع ويتركها للأجيال الجديدة لكي تستفيد منها فخبرة البشر تقاس بكم التجارب المتراكمة. ولقد صدر للدبلوماسي القدير أحمد أبو الغيط كتابان: الأول بعنوان «شهادتي» وهو تقرير عن السياسة الخارجية المصرية في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك والكتاب الثاني بعنوان «شاهد على الحرب والسلام». وقد عرفت أحمد أبو الغيط لأول مرة وهو سفير مصر في روما، وتيقنت في هذا اللقاء أن هذا السفير سوف يبزغ نجمه في سماء الدبلوماسية المصرية لأنني تلمست حبه عمله والثقافة والتراث المصري. والتقيته بعد ذلك وهو رئيس بعثة مصر لدى الأمم المتحدة وقد حضر إحدى محاضراتي بمتحف المتربوليتان. وكان لي مع الرجل محطتان عرفت من خلالهما معدنه المصري الأصيل؛ المحطة الأولى عندما قمت بعمل ملف استرداد رأس الملكة الجميلة نفرتيتي التي سرقها الألمان في نهاية عام 1912م. وكان الملف كاملا ووافيا، وفيه ما يضمن حق مصر الأصيل في استرداد رأس الملكة وكان أشد ما يقلقني هو رد فعل الدبلوماسية المصرية، حيث كانت العلاقة بين البلدين على أحسن ما يكون، بل إن الرئيس المصري مبارك كان يعالج بأحد المستشفيات الألمانية. وفوجئت بأحمد أبو الغيط، وكان وزير الخارجية في ذلك الوقت، يؤيد مطالبتنا بالرأس والتعامل مباشرة مع الجانب الألماني بعيدا عن السياسة، والدبلوماسية التي ستتدخل في حال لزم الأمر ذلك. ولقد أعجبني موقف الرجل، وأحسست بأنه قبل أن يكون مسؤولا عن الدبلوماسية المصرية فهو مصري يحارب من أجل عودة تراث بلده المنهوب.

أما المحطة الثانية، فكانت عندما لاحظت قيام بعض سفارات الدول الأجنبية بمعاملة مفتشي الآثار والمرممين المصريين معاملة غير لائقة عند طلبهم تأشيرات السفر لمرافقة المعارض الأثرية أو حضور المؤتمرات العلمية بل وكانت السفارات تصر على دفع قيمة باهظة كرسوم إصدار لتأشيرة السفر وكانت المفاجأة أن سفراء هذه الدول وقناصلها، بل وموظفي سفاراتها لدى مصر، يحصلون على تصاريح مجانية لزيارة المتاحف والمواقع الأثرية!! ولذلك، أصدرت قرارا بالمعاملة بالمثل وأوقفنا التصاريح المجانية وللمرة الثانية وجدت أحمد أبو الغيط أول المؤيدين للقرار، بل وقال إن مصر بلد قوي يستحق أن يعامل وأبناؤه بكل احترام وعلمت بعدها أنه كان الوزير الذي عامل دبلوماسيي كل الدول بمثل معاملتهم الدبلوماسي المصري بعد أن كان مسموحا لكل دبلوماسي أجنبي بدخول مصر من دون تأشيرة دخول.

لأكثر من شهر، كان كتابي وزير خارجية مصر الأسبق وفارس دبلوماسيتها هما رفيقا السفر؛ بأسلوبه الرقيق وتحليله الرائع لأمور السياسة والحياة. إنها أكثر من شهادة، هذه التي يسردها علينا أحمد أبو الغيط، إنه عالمنا الذي نعيشه، ولكن من منظور دبلوماسي، لا يسكن برجا عاجيا وإنما يسير بين الناس يعرف شوارع وحواري مصر.