القطبية!

TT

القطبية مسألة حتمية في العالم المفتوح، ولا أعني ولا أقصد هنا القطبية بمعناها السياسي في تفكير جماعة الإخوان المسلمين وزعيمها المعروف بتطرفه الشديد سيد قطب، ولكن بمعنى التنافسية الشديدة بين طرفين، فكما كان قديما هناك المعسكر الشرقي المتمثل في إمبراطورية الاتحاد السوفياتي وكان هناك المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة. والكل يتذكر تماما السباق المحموم بين القوتين في التمدد والتوغل السياسي والعسكري بشكل هستيري، وكان نتاج ذلك الأمر حربا باردة طويلة دفع أثمانها مئات الآلاف من الأبرياء عبر السنوات الطويلة.

والقطبية اليوم موجودة في أوجه كثيرة من حياتنا بشكل جلي وواضح وآخر خفي وغير ظاهر أبدا، وخصوصا على سبيل المثال في المجال التجاري الاستهلاكي؛ ففي مجال المنتجات الرياضية هناك قطبية «محمومة» تدور على الدوام بين كل من «أديداس» الألمانية و«نايكي» الأميركية العملاقة، وكذلك الأمر في الهواتف الجوالة، فهناك معركة هائلة بين «أبل» الأميركية و«سامسونغ» الكورية، وعلى نطاق آخر هناك صراع آخر عنيف في عوالم التقنية لا يقل عنفا ولا ضراوة بين «أبل» أيضا والشركة الأميركية الأخرى العملاقة «غوغل» في أكثر من صعيد، وهناك الصراع القديم على عوالم المشروبات بشتى أنواعها وبشتى أشكالها بين العملاقين الأميركيين «كوكاكولا» و«بيبسي»، وطبعا لا يمكن عدم التوقف أمام التنافس الكبير بين عملاقي الوجبات السريعة في العالم «ماكدونالدز» و«دجاح كنتاكي». وفي عالم السيارات هناك معارك تكسير العظم بين شركتي «جنرال موتورز» و«تويوتا» لتصدر الموقع الأول في مكانة أكبر الشركات المصنعة للسيارات، مع عدم إغفال الصراع المحموم في عوالم السيارات الفارهة بين «مرسيدس» و«بي إم دبليو» و«رولزرويس» و«بنتلي».

إنها القطبية بكل صورها الموتورة، واليوم هناك «قطبيات» مصغرة وكثيرة في أكثر من موقع في العالم لا بد من الالتفات إليها حتى يتسنى لنا قراءة الاتجاهات والتوقعات الممكنة، فاليوم هناك «صراع» قطبي على السيطرة الاقتصادية على آسيا بين الهند والصين؛ الأولى قررت أن تكون المعمل الفكري للاقتصاد الجديد ورأس المال البشري، والثانية قررت التركيز على أن تكون ورشة العالم الإنتاجية ومقدمة السعر الأرخص والأقل تكلفة لكافة أنواع السلع بكل أشكالها. وبينما يركز العالم اليوم على صراع قطبي مهم وقوي جدا بين عملاقي صناعة الطيران في العالم؛ شركة «بيونغ» الأميركية وشركة «إيرباض» الأوروبية هناك قطبان آخران يتشكلان بهدوء شديد وهذان القطبان يركزان على ملء الفراغ المتوسط للاحتياج وهما شركة «بومباردير» الكندية وشركة «أمبراير» البرازيلية، وما ينطبق عليهما سنراه في مجالات أخرى، فاليوم على سبيل المثال في مجال الشركات المقدمة للخدمات كالمصارف ومكاتب المحاسبة والقانونية والاستشارات الإدارية والمحاماة، هناك اعتقاد أنه عما قريب سيصبح هناك مصرفان رئيسيان في العالم، قد يكونان «إتش إس بي سي» و«سيتي بانك» أو غيرهما وخصوصا في ظل الحديث عن تكتلات استحواذية مهمة جدا ستحصل في مجال البنوك الأوروبية لتقويتها وإخراج العناصر الضعيفة منها وذلك كدرس مستفاد بعد السقوط والانهيار المالي الكبير الذي أصاب القطاع البنكي الأوروبي مؤخرا بعد الأزمة المالية الاقتصادية الكبرى. وما ينطبق على هذا القطاع يلحق القطاعات الأخرى وهو ما يضع المشرعين وواضعي السياسات والقوانين المناهضة لمبدأ وفكرة الاحتكار في مأزق عظيم، فكيف يسمحون للشركات أن تقوي نفسها وتستفيد من أخطائها السابقة بحجة القيام والنهوض من الكبوات وفي نفس الوقت يمنعون تكتلهم الذي يولد من الاتحاد قوة بدعوى حماية المستهلك من الأحجام المهيمنة للشركات الكبرى التي ستخطط سويا للاستفادة القصوى وحتما سيكون ذلك على حساب المستهلك الذي قلت وسائل وأدوات حمايته بلا شك.