التوجيهات المسبقة.. ونهاية الحياة

TT

الشؤون المتعلقة بنهاية الحياة end - of - life issues لا تزال ضمن الأمور الأقل عناية لدى غالبية الناس، وهذه حالة شائعة بين عموم الناس في كافة أرجاء العالم. هذا على الرغم من الأهمية الشخصية والطبية الأسرية العالية لإدارة التعامل مع مثل هذه الشؤون، وهي التي يستخدم لها مصطلح «التوجيهات المسبقة» Advance Directive للدلالة عليها لدى الأوساط الطبية والقانونية. ومعلوم حرص كثير من الديانات والثقافات في العالم على مبدأ كتابة الوصية، وكذا حرص كثير من الناس على كتابة الوصية فيما يتعلق بالشؤون المالية والأسرية. ومع هذا، الوصية الطبية على أهميتها لا تزال لا تنال العناية اللازمة.

الباحثون من جامعة كارولينا الشمالية سينشرون دراستهم حول هذا الأمر ضمن عدد يناير (كانون الثاني) المقبل من المجلة الأميركية للطب الوقائي American Journal of Preventive Medicine، التي لاحظوا فيها أن غالبية الأميركيين لا يولون هذه الأمور العناية اللازمة.

وشمل الباحثون في دراستهم على المستوى القومي بالولايات المتحدة بالمتابعة نحو 8 آلاف شخص، وتبين أن 26 في المائة منهم فقط أكملوا طواعية إعداد وثيقة «التوجيهات المسبقة» الخاصة بهم. وكانت النساء والمتزوجون والجامعيون هم الأعلى في الحرص على إعدادها لأنفسهم، كما كان «الجهل» بوجودها وعدم المعرفة بأهميتها من الأسباب الأكثر شيوعا لعدم حرص الكثيرين على إعدادها وكتابة بنودها.

والتوجيهات المسبقة قد تكون على هيئة «استمارة» يمكن ملء بنودها، أو وصية تُكتب، والهدف منها إعطاء توجيهات مسبقة للأطباء وغيرهم من مقدمي الرعاية الصحية حول أنواع الرعاية التي يرغب المرء في الحصول عليها إذا أصبح غير قادر على اتخاذ القرارات الطبية. وفي بعض الدول كالولايات المتحدة هناك أربعة أمثلة، الأول «توكيل الرعاية الصحية» Health Care Power of Attorney وهي تسمح للمرء أن يختار شخصا يثق به لاتخاذ القرارات الصحية الخاصة به إذا كان غير قادر على ذلك. والمثال الثاني «وصية الحياة» Living Will عبارة عن نموذج يحدد نوع العلاج الطبي الذي يرغب المرء فيه بحالات معينة، ولا تصبح الوصية نافذة إلا في حالات الأمراض الميؤوس من شفائها أو حينما يكون المرء فاقدا للوعي بشكل دائم كحالات الغيبوبة، كما يمكن من خلال الوصية إعلام مقدمي الرعاية الطبية بنوعية المساعدة المطلوبة كاستخدام أجهزة التنفس الصناعي أو أنبوب التغذية حال عدم القدرة على تناول الطعام بشكل طبيعي. وفي المثال الثالث «تصريح بعلاج الأمراض النفسية» Declaration of Mental Health Treatment قد لا يكون المرء قادرا على اتخاذ القرارات الصحية المناسبة بسبب تدهور الحالة الصحية بدرجة مؤثرة على قدرات التفكير الصحيح أو تناول العقاقير التي تؤثر عليها، وحينها يكون ثمة شخص اختاره المرء مسبقا لاتخاذ القرارات الصحية حال الاحتياج إليها. وفي الرابع يكون التوجيه المسبق بـ«الأمر بعدم الإنعاش» Do Not Resuscitate (DNR) Order ملزما للأطباء عدم القيام بعملية الإنعاش القلبي الرئوي CPR أو أي طريقة للإنعاش حال توقف القلب عن العمل أو توقف التنفس.

ووفق الاهتمام بإعداد إحدى هذه الوثائق، يتعين على المرء إعطاء نسخة منها للطبيب المعالج، وللشخص أو الأشخاص الذين سيمثلونه، والاحتفاظ منها بنسخة حال الدخول إلى المستشفى لتلقي المعالجة أو إجراء جراحة. وفي أي وقت يستطيع المرء تعديلها أو تغييرها.

وتؤكد «المؤسسة القومية للشيخوخة» NIA التابعة لوزارة الصحة والخدمات الإنسانية بالولايات المتحدة أن التخطيط المسبق للرعاية الطبية ليس خاصا بكبار السن، بل أي إنسان في أي مرحلة عمرية عرضة للإصابة بأزمة صحية طارئة قد تجعله في حالة من العجز عن اتخاذ القرارات الطبية المهمة وفق رغبته، وأن متوسطي العمر أقدر من كبار السن على توضيح رغباتهم العلاجية.

وصحيح أن كثيرا من أنظمة تقديم الرعاية الطبية لا تزال متأخرة جدا في تبني هذه الجوانب، إلا أن الأهم أن تبدأ كي يكون لديها برامج وخطط ونماذج لأنواع الوثائق الخاصة بها، وتوعية الأطقم الطبية بالمستشفيات بكيفية العمل بموجب بنودها ورغبات كاتبيها. ثم المطلوب من الأوساط الطبية بذل مزيد من الجهود لتفهيم عموم الناس هذه الأمور وكيفية التعامل معها والإجابة عن استفساراتهم حول كيفية كتابة البنود بوعي وفهم وإدراك لتبعات قراراتها. وأن يبينوا أهميتها أسوة بإدراك كثير من الناس أهمية أنواع الوصية الأخرى المتعلقة بالشؤون المالية والعائلية.

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]