هيفا بنت مالك

TT

هل سمعت هيفا وهبي صفيرا في أُذنيها، ذلك النهار؟ إن المثل الشعبي يقول إن أُذن المرء تصفر في اللحظة التي يكون هناك من يغتابه فيها. أي يتحدث عنه في غيابه. وقد كانت المغنية الحسناء موضوعا لجدل دار على هامش الاحتفال الذي جرى في اليونيسكو باليوم العالمي للغة العربية. ما علاقة هيفا باجتماع مُكرس لمشكلات لغة الضاد وأساليب الحفاظ عليها؟ ومن يحاسبها إذا هي رفعت المنصوب وكسرت المرفوع وأقلقت عظام سيبويه؟

في بيروت، كانت هيفا تنام ملء عينيها عن شواردها، بينما كان هناك من يسهر، جرّاها، ويختصم في باريس. والسبب لا يقع على المتنبي بل على شاعر آخر هو الزميل عبده وازن. لقد اقترح على المجتمعين، في اليونيسكو، اللجوء إلى نجوم الفن والاستفادة من شهرتهم لنشر اللغة العربية. وضرب مثلا بالإنجليز. فعندما أرادت «بي بي سي» الترويج لبرنامجها المخصص لتعليم الإنجليزية للمستمعين العرب، جاءت بهيفا وهبي لكي ترعى الحدث، في معرض بيروت للكتاب، وتجتذب الجمهور لشراء الأقراص المسجلة للبرنامج. وتساءل وازن: لماذا لا نقلّدهم ونستعين بالنجوم للترويج للغتنا؟

لست ضد أن تكون هيفا طُعما، مثل ذاك الذي يوضع في الصنارة لاستدراج السمك. إن لها من مواصفات حوريات البحر ما يجعلها أهلا للمهمة. لكن مشاركين في الاحتفالية استنكروا اقتراح زميلنا اللبناني وكأنه ارتكب إثما في حق اللغة. ورد عليه أحد المتحدثين بما معناه أن الارتقاء بالعربية لا يمكن أن يترك هكذا «سبهللا». ويبدو أن صاحبنا لم يسمع بعض سياسيينا وهم يخطبون، ولا بعض مذيعاتنا ومذيعينا حين يذيعون ويمسكون بالعصا للقواعد، على الـ«واحدة ونص».

الجميلة تنام في بيتها ونحن نشتمها في باريس، وفي مبنى اليونيسكو بالتحديد، الصرح الذي يشمّر فيه جيش من الموظفين والموظفات عن سواعدهم للدفاع عن الثقافة. لقد جاءوا بالممثلة الجذابة كلوديا كاردينالي ونصبوها سفيرة للنوايا الحسنة ومنحوها جواز السفر الأزرق الخاص بموظفي الأُمم المتحدة. كما عهدت المنظمة الدولية للطفولة بمهمات مماثلة إلى أنجلينا جولي. وكلنا تابع نجمة الإثارة التي صارت سفيرة تحل في أكواخ اللاجئين العراقيين ومخيمات النازحين الأفغان والأفارقة والسوريين، تمسح على رؤوس الأطفال وتؤازر الأمهات في المحنة. واسألوا اللاجئين من يفضّلون: أنجلينا وكلوديا أم كوفي أنان وبان كي مون؟

حين ذهبت هيفا لتغني في مسقط، زحف لحضور حفلتها مائتا ألف شخص. وتماشيا مع هذه الشهرة، قررت وزارة الاتصالات في لبنان تسميتها سفيرة للقضايا الإنسانية، لا سيما السلامة على الطرق. ولو كنتُ سائق شاحنة على الطريق السريع لتقبلت النصيحة من السفيرة هيفا أكثر من شرطي المرور، وخففت، عن طيب خاطر، السرعة التي قد تقود إلى «الواوا». إن للمظهر الحسن سطوة على البشر لا ينكرها إلا محروم من نعمة البصر والبصيرة، ومن يريد لدنيانا أن تخلو من الفن والمتعة والجمال. ولا تقل لي: نعم ولكن.. لأن الجدل سيطول.

فالفنانة المجتهدة التي اختارها المخرج خالد يوسف للتمثيل في أحد أفلامه الأخيرة، لم تزعم أنها تحفظ ألفية ابن مالك، ولا ادّعت أن لها حنجرة أُم كلثوم. بل كان لها من الجرأة أن قالت لشابة مغربية موهوبة، شاركت في برنامج تلفزيوني للمسابقات الغنائية: إن أهم المطربات في العالم العربي، اليوم، لا يقدمن نصف ما قدمته المغربية. وهي تقصد نفسها قبل غيرها. وبالمناسبة، لماذا يسمون البرنامج «ذا وينر» بدل الرابح؟ إن من حق قنواتنا العربية أن تُعرّب ما تستورد ما دامت تدفع فيه الكثير. وقد حان لها أن تنزل بثقلها الفعلي، لا الخطابي، في معركة الحفاظ على لغة الضاد.

أما هيفا، فلا بد أن تبدأ نشاطها لصالح العربية بدعوتنا لأن ننطق اسمها صحيحا ولا نغمط الهمزة الأخيرة حقها.