تحديات الدعم الحكومي للغذاء

TT

اعتاد السعوديون خلال مواسم معينة، كشهر رمضان أو فصل الشتاء، إثارة قضية توافر السلع الغذائية وارتفاع أسعارها، إنما أصحاب القرار والمسؤولون المباشرون عن الأمن الغذائي في المملكة كل أيام السنة لديهم مواسم.

خلال الأيام الماضية التي شهدت موجات صقيع شمال المملكة وبعض المناطق الأخرى، ضخت الحكومة دعما ماليا بأكثر من 50 مليون ريال للجمعيات الخيرية لمساندتها في تمويل الغذاء والكسوة الشتوية للأسر المحتاجة المسجلة في دفاترهم. هذا الرقم متواضع خلال النظرة الأولى، إنما حقيقة الوضع أن الدولة تنفق سنويا دعما للسلع بكل أنواعها؛ الغذاء والغاز والبنزين والكهرباء والمياه، بما يقارب 300 مليار ريال، لتكون في متناول كل طبقات المجتمع. الوقود مثلا يحصل عليه المواطن والمقيم بسعر أقل بـ70 في المائة من سعره العالمي. فاتورة ضخمة، وتشي بالاطمئنان، إنما يعكرها أن مقدارا ليس هينا منها لا يذهب إلى المستهدفين بالدعم.

بالتركيز على السلع الغذائية، وتحديدا المعانة من الدولة، كالأرز وحليب الأطفال والسكر واللحوم، فإن دعم الدولة لها يجعلها متاحة للمستهلك، ومن دون هذا الدعم، أي بالاعتماد على الأسعار العالمية، سيكون أشبه بالمستحيل عدّها سلعا استهلاكية، بل ستكون سلعا طبقية، كالكافيار والمارونغ لاسيه. هذه حقيقة وليست مبالغة. على سبيل المثال فإن سعر اللحوم الحمراء في المملكة أقل بكثير من قيمتها الحقيقية، نتيجة تلقيها دعما حكوميا غير مباشر من خلال إعانات الشعير والشوفان.

باختصار، فإن «سوبر ماركت» في الأحساء أو أبها أو حفر الباطن أو القريات، يبيع السلع الغذائية بقيمة أقل من قيمتها العالمية بسبب الدعم الحكومي. من حيث المبدأ، فالدولة غنية وتملك القدرة على تيسير معيشة أفرادها، وهذا أمر إيجابي يدعو للسعادة، ولكن مع ارتفاع قيمة الغذاء عالميا في السنوات الثلاث الأخيرة وتوقع ارتفاعها أضعافا عند وصولنا لعام 2020، ومع ارتفاع أسعار النفط والنقل، فقد تواجه الدولة تحديات كبيرة في هذا الجانب الحيوي قد تشكل امتحانا لقدرتها على مواصلة الدعم والمساندة. يشبه هذا الوضع ما كان قبل 20 عاما، حينما كانت المقاعد الدراسية في الجامعات السعودية مفتوحة للطلبة الأجانب، خاصة من دول الخليج، ولكن مع الوقت الذي ازداد فيه عدد السكان، أصبحت الضرورة تحتّم قصر المقاعد على المواطنين، وهذا ما حصل بقرار حكيم.

كل الدول المجاورة للسعودية بلا استثناء تستفيد من الدعم الحكومي السعودي للسلع الغذائية، من خلال مشتريات مواطنيها من هذه السلع التي يجدونها أرخص بكثير مما هي عليه في بلدانهم، وهذا أحد تداعيات سياسة الدعم الغذائي بالطريقة المتبعة حاليا. الأمر الثاني أن الطبقة الغنية في المملكة تستفيد كما الفقير من هذا الدعم وبالمقدار نفسه. هذا الاختلال في التوازن في نهاية المطاف يحرم الطبقة المعسرة من بعض السلع أو يقلل من استهلاكهم لها، وأيضا يشكل ضغطا على الطبقة المتوسطة التي تكافح للاحتفاظ بموقعها. بمعنى آخر، فإن الدعم الحكومي يستفيد منه أطراف ليست هي المستهدفة منه.

هناك حلول مطروحة حول تفعيل أكثر لدور الجمعيات الخيرية، إنما أجدني غير مرتاحة تماما لكفاية هذا الحل. مرد عدم الارتياح إلى أن هناك من الأسر السعودية على الرغم من إعسارها، لا تجد بدا من الاصطبار على ضيقتها المالية على أن تطلب من الجمعيات الخيرية ما يسد حاجتها، تماما كما وصف أمثالهم القرآن الكريم: «يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف»، هذه سجية وليست ادعاء.

نعم، قد يجد الفقير أو المعسر حرجا في طلب الناس أو الجمعيات الخيرية، ولكن الجهة الوحيدة التي لا حرج منها ولا حياء هي الدولة. الدولة هي الأم، الراعية والمسؤولة، التي يكشف أمامها الغطاء بلا خجل، لذلك ففكرة إنشاء جمعيات تعاونية ببطاقة تموين للمعسرين قد تكون فاعلة، إنما قد يكون جديرا بالدراسة التفكير في حل أكثر تنظيما من خلال الربط الإلكتروني لذوي المداخيل المحدودة بأرقام هوياتهم الوطنية في مركز المعلومات الوطني، بحيث تتحول إعانات الدولة من موردي الأغذية إلى هؤلاء مباشرة، وحتى لو ارتفعت الأسعار إلى مستواها العالمي نتيجة رفع الدولة دعمها عن تجار السلع، فإن المواطن من خلال هذا الدعم الذي يصل إليه يظل قادرا على شراء السلعة، وفي الوقت نفسه ينحصر هذه الدعم في أبناء الدولة دون غيرهم من المقيمين أو الجيران، وهذا حق أصيل.

[email protected]