آباء الكونغرس الروحيون

TT

هل تتذكرون معي روح التعاون الجديدة التي ظهرت في واشنطن؟ لقد كان ذلك في الأسبوع الماضي.

لقد انقضى عصر النوايا الحسنة، الذي امتد لبضعة أيام، وربما لسويعات قليلة. يوم الأربعاء الماضي، صوت 36 سيناتورا جمهوريا (80 في المائة منهم أعضاء في لجنة سياسات الحزب الجمهوري) ضد مشروع الموازنة الذي أعده النائب الجمهوري عن ولاية ويسكونسن، بول ريان، الذي كان مرشحا لمنصب نائب الرئيس للمرشح الجمهوري ميت رومني خلال انتخابات الرئاسة العام الماضي.

وحاليا، يصنع الجمهوريون، بمن فيهم ريان نفسه، الكثير من الصخب تمهيدا لمواجهة حاسمة يُنتظر أن تدور رحاها العام القادم حول سقف الدين للحكومات الفيدرالية. وربما يمكنك القول إن الجمهوريين عادوا مرة أخرى لنفس الموقف الذي كانوا يتبنونه في السابق.

وفي يوم الخميس، عاد زعماء مجلس الشيوخ للمشاحنات التافهة. فقد وصف السيناتور هاري ريد، زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، الجمهوريين بأنهم «سطحيون للغاية» مضيفا أن «إعاقة إقرار القوانين في المجلس أصبحت عادة سيئة».

أما السيناتور ميتش ماكنويل زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ، فاتهم الديمقراطيين بأنهم «يسيئون استخدام السلطة بشكل لا يصدق»، كما أنهم يديرون شؤون البلاد وكأنها واحدة من «جمهوريات الموز». ويشير السيناتور الجمهوري إلى أنه يُصاب بالإحباط كلما «رأى التدهور الذي يعاني منه مجلس الشيوخ الأميركي تحت القيادة الحالية».

ويفترض ماكنويل أن ريد تغاضى عن مطالبه بأن يوافق مجلس الشيوخ على ما وصفه بقائمة من المرشحين «غير عاجلين».

فرد ريد «أنا أعترض». وطلب ريد أن يدرس مجلس الشيوخ مشروع قانون ضرائب مرره مجلس النواب. فرد ماكنويل «أنا أعترض».

وبالعودة إلى الماضي، كيف يمكن للموقف الحالي أن يبدو مختلفا عما هو عليه الآن؟ فنحن لا نتحدث عن خصوم سياسيين بالمعنى التقليدي، إنهم يشبهون بالأحرى عائلات المافيا. ربما يكون جيمس غاندولفيني (بطل مسلسل السوبرانو) قد رحل عنا بجسده في 2013. لكن روح رئيس المنظمة الإجرامية ما زالت تسيطر على مبنى الكابيتول (مبنى الكونغرس).

وتقوم بعض الهيئات، مثل لجنة الحزب الجمهوري القومية لترشيح أعضاء مجلس الشيوخ ولجنة الحزب الديمقراطي القومية لترشيح أعضاء مجلس الشيوخ، بتدمير المسيرة السياسية للكثير من أعضاء الحزبين. ويدير شؤون تلك اللجان أعضاء مجلس الشيوخ أنفسهم الراغبون في اقتلاع خصومهم من الكونغرس، ليس فقط من خلال الاختلاف معهم، بل عن طريق القضاء على مسيرتهم السياسية تماما. (وهناك لجان شبيهة بهاتين اللجنتين في مجلس النواب، لكنها لا تمثل نفس الخطر).

وفي بداية الشهر الحالي عندما كان التوافق بين الحزبين الكبيرين ما زال قائما، صرح ريد لألبرت هانت، من وكالة بلومبرغ، أنه لن يترشح ضد ماكنويل، الذي يواجه منافسة صعبة لإعادة انتخابه مرة ثانية، حيث يقول: «إنني أتبنى وجهة نظر تقليدية فيما يخص هذا الأمر، ولن أُقدم على اتخاذ تلك الخطوة».

لقد كانت تلك خطوة ماكرة، لأن ريد كان قد عقد اجتماعا في لاس فيغاس مع سيدة تعمل جامعة للتبرعات لخصم ماكنويل الديمقراطي، وتبرعت لجنة العمل السياسي التابعة لريد بالمال لتلك السيدة. ومن المحتمل أن تتعرض أليسون لوندرغان غريمز، خصم ماكنويل، للأذى السياسي عند ظهورها بجانب ريد.

غير أنه عند وصفه لنفسه بأنه يتبنى وجهة نظر تقليدية، يدحض ريد فكرة ثقافة عصابات المافيا التي سيطرت على مجلس الشيوخ منذ عام 2004. عندما ذهب بيل فريست، زعيم الأغلبية الجمهورية وقتها، إلى ولاية داكوتا الجنوبية ليروج بنجاح لهزيمة توم داشل زعيم الأغلبية الديمقراطية وقتها. لكن لجنة الحزب الديمقراطي برئاسة السيناتور تشاك شومر، النائب عن نيويورك، ردت حينها بإذاعة إعلانات تلفيزيونيه تستهدف ماكنويل في عام 2008. وفي عام 2012. قامت لجنة الحزب الجمهوري، التي يرأسها جون كورنين، النائب عن ولاية تكساس، بجمع الأموال في محاولة لهزيمة ريد في ولاية نيفادا. وتقع اللجان السياسية تحت السيطرة الفعلية لزعيم الأغلبية أو زعيم الأقلية، وقد استغل الكثير من النواب منصب رئاسة تلك اللجان كجسر للعبور إلى مناصب الزعامة والقيادة في أحزابهم.

وفي الفترات التي لا يستخدم النواب تلك اللجان لتوجيه الضربات لبعضهم، يقومون بدلا من ذلك باستخدامها للسخرية أو لتشويه سمعة خصومهم. يوم الاثنين الماضي، أصدرت لجنة الحزب الجمهوري بيانا جاء فيه «سوف يخبركم هاري ريد أنه غير مهتم بخسارة منصب زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، يا للجحيم، إن ريد يقول الكثير من الأشياء، لكن أفعاله دائما ما تناقض كلامه». أما يوم الأربعاء، فصرحت لجنة الحزب الجمهوري قائلة: «لقد كذب أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيون على الناخبين في ولاياتهم، ابتداء من كاي هيغان وجيف ميركلي وماري لاندريان ومارك بريور وجان شاهين وحتى مارك ييغيتش».

عندما تبدأ يومك بقراءة أو سماع كلام فارغ صادر من أناس يريدون القضاء عليك سياسيا، فهل ستندهش مما سوف تؤول إليه الأمور؟

هذا الأسبوع، اتهم ريد الجمهوريين بأنهم يطبقون سياسة «احتجاز الرهائن»، وسخر من ماكنويل على خلفية تأجيل الأخير لما وصفه ريد بالتصديقات «غير الجوهرية» حيث قال ريد «هل يعتبر الزعيم الجمهوري منصب مستشار الأمن القومي، وهو الشخص المنوط به حمايتنا من الهجمات الإرهابية، (غير جوهري)؟».

وبدوره صرح ماكنويل للصحافيين أنه «لا يستطيع أن يتخيل» أن الجمهوريين سيوافقون على زيادة سقف الدين دون إقرار مزيد من القيود على الإنفاق. وشن ماكنويل هجوما شديدا على ريد بسبب اختزال الأخير للجمهوريين على أنهم مرشحون يعطلون إصدار القوانين من خلال الثرثرة كثيرا في الكونغرس، قائلا: «بينما نتجه إلى نهاية العام، تبدو المأساة الكبرى في الانحدار الذي تؤول إليه الطريقة البائسة التي يدار بها مجلس الشيوخ من قبل شخص واحد.. وسوف يكون من الصعوبة بمكان استعادة الدور الطبيعي لمجلس الشيوخ».

غير أنه يبدو أن ماكنويل أخطأ في تقدير الأمر، فالانحدار هو الطريقة الجديدة التي يدار بها مجلس الشيوخ بالفعل.

* خدمة «نيويورك تايمز»