عايشة وحدا بلاك!

TT

لم تكشف الثورة السورية عن فجاجة النظام السوري ودمويته فحسب، ولكن فضحت أعوانه ومؤيديه وكشفت كذبهم ونفاقهم وازدواجية المواقف والشعارات الفارغة الرنانة تحت غطاء المثقفين والفنانين واليساريين والليبراليين، ليكشفوا عن وجه طائفي بغيض لا يمكن إنكاره، والأمثلة باتت معروفة ومكررة.

مواقف قام بالإعلان عنها، في مواقع مختلفة، مجموعة كانت محسوبة على النخبة العليا من أصحاب «الرأي» و«الدراية» و«المعرفة» من أمثال دريد لحام الذي صال وجال في أعماله الفنية وهو ينشد عن الحرية والكرامة والمساواة والعدل ليتضح أن كل هذا الأمر ما كان إلا لأجل الترويج المبطن لنظام دكتاتوري.

وما ينطبق على دريد لحام ينطبق أيضا على الشاعر أدونيس الذي كان يتغنى إنشادا وشعرا بعبارات وأبيات أساسا لا تصل إلا للقلة، ويدعي فهمها آخرون. وكان في أبياته يلاحق أحلام الحرية والكرامة والعدل لأن اليسار العالمي كان في توجهه كذلك. وكان هو يقوم بسداد رسوم الاشتراك في هذا «النادي» الخاص.

وانضم مؤخرا إلى هذه المجموعة زياد الرحباني سليل الأسرة الغنائية اللبنانية العريقة، التي كانت دوما وتاريخيا «تترفع» عن الانتماء السياسي بكل أشكاله، حتى في أيام الحرب الأهلية نفسها في لبنان. وزياد الرحباني عرف عنه انتماؤه لتيار الحزب الشيوعي، وكتابته في الصحف ذات التوجه اليساري، وكانت كل مسرحياته السياسية الناجحة تحارب وبقوة كل ما له علاقة بمفهوم الطائفية بكافة أشكالها. وبدأ زياد الرحباني يأخذ خطا واضحا مؤيدا نظام بشار الأسد ضد الثورة السورية العظيمة. وكان يقول دوما إن بشار الأسد هو الدعامة العلمانية الحقيقية لحكم مدني يحكم سوريا ويحمي الأقليات من التطرف.

هذا النظام «العلماني المدني» استعان للمحاربة معه بأحد وجوه التطرف والطائفية متمثلا في حسن نصر الله زعيم ميليشيا حزب الله التي دخلت الأراضي السورية لقتل الثوار فيها بحجج مضحكة ما بين الدفاع عن المقامات المقدسة والدفاع عن الأقليات، وطبعا تبين بعد ذلك وعلى لسان حسن نصر الله نفسه أنه يحارب مع الأسد لآخر جندي وأنه مستعد للقتال بنفسه هناك.

إنها الطائفية في أظهر صورها، وطبعا بات معروفا أن هذا الموقف كلف حسن نصر الله وميليشياته حزب الله الكثير من الخسائر السياسية بسبب هذا الموقف المتشنج، مما جعل «مؤيده» زياد الرحباني الذي تغنى في قيامه بحفظ خطب حسن نصر الله وترديدها عندما يكون وحده متأملا. فقام زياد بإدراج «الكرت العظيم» محبة فيروز في المعادلة، محاولا التأثير الوجداني على الشارع وهو الذي يجمع على محبة وإجلال فيروز كقيمة وكقامة وأن يحرك فيه المشاعر الوطنية. ففيروز والأرز هما المسألتان الوحيدتان اللتان يتفق عليهما اللبنانيون، وقال إن فيروز تحب حسن نصر الله. ففتح بابا للسجال بين المؤيدين والرافضين لهذا الأمر، وطبعا ظهر بعد ذلك رأي ابنتها ريما التي قامت بنفي ما قاله أخوها زياد بحق والدتهما، ولكن الموضوع يفتح بابا مثيرا للبحث وهو حجم الانهيار الشعبي لشارع وشعبية حزب الله ولجوئه إلى «أي طريقة» وأي وسيلة لكسب الجدارة والثقة والمصداقية.

ولكن الموضوع أنهى أشهر أغاني زياد الرحباني التي تقول «عايشة وحدا بلاك، وبلا حبك يا ولد!» وهي تنطبق تماما على شعور فيروز تجاه حسن نصر الله!